الجمعة ، ٣١ يناير ٢٠١٤
الساعة ١١:٥٤ صباحاً
- قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وأنتصر عليه و ما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز أبو حسن من بيت أب وحسن عزلة الكينعية آنس .
دكتور/ ياسين عبدالعليم القباطي
الحلقة الأخيرة
مجزرة زعماء اليمن
ابني عبدالرحمن صار عمره 5 سنوات نفس العمر الذي خرجت فيه لأول مرة مع رعاة الغنم الى جبل الربح في الكينعية آنس؛ الوضع هنا مختلف تماما تغيرت الدنيا لا غنم معنا ولن يذهب عبدالرحمن مع الرعاة هو الآن يستمتع بصحبة أخيه الوليد هلال ويشعر أنه مسؤولاً عنه، بيتنا في مدينة النور صار واحة فرح، تغمره السعادة والحبور مثل كل بيوت اليمن، المعنويات مرتفعة، دخل الأسرة يتحسن باضطراد الأسواق تمتلئ بالبضائع؛ التجارة تنشط والبطالة تزول 3 أعوام مضت على تولي الحمدي قيادة اليمن؛ الكل متحمس لهذا الشاب العارف، القادر، الشجاع، بعد شهر سنحتفل بالذكرى الثالثة لثورة التصحيح، هذه المرة سيكون الاحتفال قريبا جدا من مدينة النور لا يفرق بيننا وبين مكان الاحتفال سوى وادي سنقطعه مشيا على الأقدام كل المصابين بالجذام سيحضرون العيد الثالث لثورة التصحيح في المطار القديم حيث تقع مؤخرة معسكر خالد.
صحبت ولدي عبدالرحمن وتوجهنا مع الفجر إلى الحفل لمشاهدة الزعيم الحمدي الذي سيحضر الاحتفال معنا في تعز. السيارات تتقاطر من الصباح الباكر من إب وصنعاء وعدن والضالع والحديدة أتوا لمشاهدة الحمدي في عيده الثالث جميع المصابين بالجذام القادرون على السير قطعوا وادي النعيم ووادي الصوفي الذي يفصل مدينة النور عن المطار القديم قطار من المرضى بكر غبش يقطع الوادي سيرا على الأقدام ليأخذ مكانه في ميدان الاحتفال ليشاهدوا زعيم طفرة تقدم ونمو اليمن الذي أنقذ البلاد من تسلط المشائخ وأخرجها من الدوران في فلك ابن سعود.
وصل جمهور المصابين بالجذام الى مقر الاحتفال قبل جماهير الأصحاء وأحتلينا المقدمة، حضر الرئيس في موكب عادي لا مصفحات ولا سيارات ناقلة جند ولا مدافع مضادة للطيران تحرسه؛ أحبه الشعب فصار حارسه وفجأة تنطلق مئات الحمامات البيضاء في السماء يطيرها طلبة المدارس وتستقر إحداها على كتف الحمدي شاهدت ذلك المنظر كما شاهده كل الحاضرون؛ يمسك الحمدي بالحمامة من فوق كتفه ويعيد إطلاقها في الجو وترتفع الصرخات الله أكبر . ويلقي الحمدي خطاباً قوطع بالتصفيق حين أعلن قيام المجلس الأعلى للتنسيق بين شطري اليمن وأن وحدة اليمن ستتحقق قريبا وأنه سيزور أخيه الرئيس سالم ربيع علي في عدن ليعلنا وحدة اليمن، أعلن عن قوة ومتانة اقتصاد اليمن حيث بلغ الاحتياطي النقدي لليمن من العملات الصعبة 825 مليون دولار وهو رقم كبير مقارنة باحتياطي مصر الذي بلغ في نفس العام 240 مليون دولار.
أنتهى الحفل وعدنا الى بيوتنا في مدينة النور نتحدث عن الحمامة التي حطت على كتف الحمدي كان يوماً حاشداً غمرنا فيه السرور الذي أستمر إلى بعد صلاة العصر حين سمعت أحد العمال قادما يصيح من مقلع الحجار أحمد، أحمد الحق أخوك عبدالولي وقعت عليه صخرة كبيرة، هرولت إلى الجبل الواقع خلف مدينة النور ورأيت منظرا أقشعر له بدني صخرة كبيرة جاثمة فوق أخي الذي كان يرعاني في طفولتي وأهتم بعلاجي وذهب معي سيرا على الأقدام إلى مملكة ابن سعود يرقد اليوم جثة هامدة تحت صخرة كبيرة ودماؤه تروي الأرض؛ مات شقيقي عبدالولي، فقدت الوعي، أفقت بعد أن أخرجه الرجال من تحت الصخرة وأرسلت لأخوتي؛ فحضروا سريعا وقبرناه في مدينة النور وسافرنا جميعا إلى آنس لعمل مراسيم العزاء في قرية أبو حسن. موت عبدالولي كان عودة الأحزان التي كنت قد عبرت عليها بانتقالي إلى مدينة النور.
طلبت مني الراهبات أن أسجل في المدرسة ودفعنني لأن أكون طالبا لأحصل على الشهادة وألتحق بعمل حكومي وهكذا فعلت فها هو رئيسنا إبراهيم الحمدي شاب في الثلاثينيات يدفعنا للنهضة والتقدم والعمل، لا يستقر في مدينة واحدة يفاجئ الموظفين في مكاتبهم ويأمرهم بحسن الأداء ففي شهر أغسطس زار مدينة تعز دون إشعار محافظها وقائدها وأجتمع بمدراء المكاتب وبالمحافظ عبدالسلام أبوبكر الحداد وبالقائد تيس الضباط الرئد علي صالح ومدير الأمن الرائد محسن اليوسفي وقيل يومها أنه كان قاسيا جدا في توبيخ وانتقاد مسؤولي محافظة تعز على التسيب وعدم الالتزام الوظيفي؛ هكذا كانت طبيعة الحمدي صارم على كل من لا يحسن الأداء وكان يعرف ذلك من خلال تقارير لجان التصحيح الأصلية والفرعية التي تحولت إلى ما يشبه التنظيم الحزبي الجماهيري لمراقبة الأداء.
في سبتمبر 1977 القى الحمدي خطابا أعلن فيه أن شهر العسل قد أنتهى كان المعنى مواربا هل يقصد التجار أم الفاسدين الذين كان يرعبهم فقط بلجان التصحيح وخطبه الحماسية؛ هل يعني انتهاء تدخل بيت سعود في الشأن اليمني المستمر منذ مؤتمر المصالحة في الخرطوم عام 1967م وعقد اتفاقية إنهاء الحرب الجمهورية الملكية بدعم السعودي في عام 1970، أم أنه يشير الى توتر العلاقات اليمنية مع بيت سعود بعد أن دعاه ابن سعود لمقابلة سرية في الرياض في أغسطس عام 1977م للحديث عن تجديد وتمديد اتفاقية الطائف وبهدف مراجعة الموقف اليمني معه من أراض يمنية استولت عليها السعودية مساحتها أكثر من مليون كيلومتر مربع هي عسير عام 1926م وجيزان عام 1933 ونجران عام 1934 والشرورة عام 1961م والوديعة عام 1969 وأن السعودي ينوي ضم جزيرة جديدة وأجزاء من صحراء الربع الخالي يدعي أنها تقع ضمن أملاك أسرة السعودي وقد عاد الحمدي غاضبا وتوترت علاقاته مع بيت سعود توترا شديداً .
لقد كان إعلان الحمدي انتهاء شهر العسل في سبتمبر 1977م نذير شؤم على اليمن وكنا ننتظر زيارة الحمدي إلى عدن في 13 أكتوبر التي أعلن عنها في العنوان الرئيس لصحيفة 14 أكتوبر الصادرة في عدن يوم 11 أكتوبر بأن الحمدي سيكون في عدن يوم 14 أكتوبر للإحتفال بعيد ثورة 14 أكتوبر وإعلان قيام الوحدة اليمنية.
ولكن وفي ظلام يوم الثلاثاء 11 أكتوبر تجمد الدم في عروق اليمنيين حين قطعت إذاعة وتلفزيون صنعاء برامجهما في الساعة العاشرة مساء وتنادى الناس من نوافذ البيوت في مدينة الجذام مدينة النور أن افتحوا الراديو على إذاعة صنعاء هناك شؤم كبير قادم إليكم بدأتا الإذاعة والتلفزيون ببث سور القرآن ثم تقطع التلاوة ليخرج من الراديو صوت المذيع عبدالملك العيزري يقرأ بيانا لمجلس القيادة صاغه عبدالله سلام الحكيمي يعلن استشهاد قائد نهضة اليمن إبراهيم الحمدي ويعم الوجوم وجوهنا وتتحول منازلنا إلى مرتع للحزن وتكتسي مدينة تعز سحابة سوداء من البؤس والقنوط وفي اليوم التالي الأربعاء 12/10 تصدر صحيفة 14 أكتوبر في عدن مكللة بالسواد لتعلن استشهاد الحمدي والحداد الرسمي لمدة أربعين يوماً وإلغاء الاحتفالات.
في يوم 13 أكتوبر يصدر بيان تولي أحمد الغشمي رئاسة مجلس القيادة وعضوية عبدالعزيز عبدالغني وعبدالله عبدالعالم . الرئيس الجديد أحمد الغشمي هو الذي أصر على دعوة إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله الحمدي إلى الغداء في بيته وبدلا من الغداء قتلا بدون غذاء في بيت المضيف في وجود علي صالح قائد لواء تعز وتآمر محلي وإقليمي ودولي على زعيم نهضة اليمن إبراهيم الحمدي كما ذكرت كل الرويات بعد ذلك.
في 13 أكتوبر يحضر الرئيس سالم ربيع إلى صنعاء وهو الرئيس الوحيد الذي حضر الدفن بعد أن أعلنت القيادة اليمنية لرؤساء الدول عن عدم الموافقة على حضورهم ويدفن سالم ربيع أخاه الحمدي في 14 أكتوبر 1977م في صنعاء ويقسم على قبره أنه سينتقم له في وقت كانت الجماهير تهتف "أين القاتل يا غشمي أنت القاتل ياغشمي". انتهت 3 أعوام و4 أشهر ويومان من شهر عسل عشاه تحت قيادة بطل حميري سبئي أسطوري هو الزعيم الحمدي. ولم يستقر الحال للغشمي فبعد أسبوع دخل عليه في مكتبه في القيادة رفيق الحمدي الرائد زيد الكبسي وبدأ بمحاكمته ثم هم بإطلاق الرصاص عليه فصاح الغشمي فقتل حرس الغشمي الشهيد الكبسي.
ثم قام الرائد عبدالله عبدالعالم بمحاولة تمرد فاشلة في أبريل 1978م كلف الرئد علي صالح بالقضاء عليها. وفي 24 يونيو 1978م وبعد ثمانية أشهر في الحكم جاء ضابط المخابرات الحاج مهدي تفاريش صديق الغشمي من عدن وأستقبله في مطار صنعاء المقدم محمد خميس مدير الأمن الوطني والرائد علي الشاطر مدير التوجيه المعنوي ودخل مكتب الغشمي بدون تفتيش وانفجرت الشنطة التي كانت برفقة تفاريش فقضي عليه وعلى الغشمي. وبعد يومين من مقتل الغشمي يعدم الزعيم سالم ربيع ربيع علي في عدن من قبل رفاقه نتيجة لتداعيات أزمة مقتل الغشمي وبعام واحد يموت أخي الذي رعاني وثلاثة من زعماء اليمن ويبقى في قلبي حزن عميق وفي نيتي أن يستمر صراعي مع مرض الجذام، يتولى عبدالكريم العرشي رئاسة الدولة لأقل من شهر من 24 يونيو إلى 18 يوليو ويتم جمع لفيف من الوجهاء من جميع أنحاء اليمن سموهم في صنعاء أعضاء مجلس الشورى ممثلين لشعب لم ينتخبهم ثم في 17 يوليو ينتخبون تيس الضباط رئيسا لليمن ليبدأ عهدا جديدا سينتشر فيه جذام من نوع آخر سيصيب بوباله السواد الأعظم من أبناء اليمن.
نهاية الجزء الأول
-->