عن ثورات واقفة!!

عارف أبو حاتم
الخميس ، ٣٠ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٢١ مساءً
المقال التالي هو إجابات عن أسئلة قدمتها لموقع "الجزيرة نت" باللغة التركية، الذي انطلق عشية الأربعاء الماضي:
 
* تقف ثورات الربيع العربي في منزلة بين المنزلتين، فلا هي انتصرت وغيرت وأبهرت بنتائجها، ولا هي قُمِعَتْ وأرعبت ثوارها، فقد حققت انتصارات متباينة النتائج، ففي تونس - وهي مصدر الإلهام لثورات الربيع - تحقق انتصار كبير، وحق للتوانسة المفاخرة بثورتهم، وبقدرتهم على الاحتفاظ بمكتسبات الثورة.. أما ثورة مصر فقد تمكن العسكر من استعادة سطوتهم، وإعادة إخراج أنفسهم بصورة ثورية، وتمكنوا من جر مؤسسات الدولة إلى حيث يريدون، وظلت صحوة الشعب المصري يقظة، كأهم نتيجة لثورة 25 يناير، ولا يمكن تغافل شعب مصر، تحت أي عناوين، أو إرهابه بصوت الرصاص، والمعتقلات والسجون، فيما لا تزال ثورة ليبيا تتخلق كل يوم، وستأخذ طريقها إلى المجد حين تتوقف الأيادي الخارجية عن تسيير بعض مراكز القوى، وستكتفي ثورة اليمن بإزاحة الرئيس صالح وعائلته، لأن رموز النظام السابق وأدواته تعاملوا مع الثورة بانتهازية، وانظموا إليها، ثم عادوا إلى الحكم بكامل أدواتهم وأساليبهم السابقة. وأعتقد أن حسابات وتصورات خاطئة قادت ثوار سوريا إلى حيث لا يعلمون ولا يريدون، وأياً كان الطرف المنتصر في المستقبل، فإن سوريا ما بعد الثورة لن تكون كما قبلها، فالسلاح والطائفية والمسميات المختلفة حاضرة ولن تغادر، وأياً كان المنتصر فإن البلاد تحتاج إلى عشرات السنين ومئات المليارات لكي تعود، واقفةً كما كانت.
 
* الفشل الجزئي الذي أصاب بعض ثورات الربيع العربي مرده إلى تحمس التيارات المختلفة إلى السلطة، ومغازلة جيل الشباب، وهذا الحماس ليس بريئاً في كل الأحوال، وليس وطنياً خالصاً، فهناك منظمات دولية مسيسة تقف داعمة ومساندة لفصائل وتيارات دون غيرها، وهناك من يسعى إلى إذكاء الطائفية والعرقية في دول الربيع، لأنها أفضل الأدوات السياسية في شق وحدة المجتمعات، وتمزقها حتى يسهل السيطرة عليها.
 
* أما "الإسلام السياسي" فقد كان حاضراً في توجيه وتصعيد الزخم الثوري العربي، طيلة أيام العام 2011، وكان جهازه العصبي الذي حرك الثورات، ووضعها كحد فاصل بين زمنين، ولا شك في استفادة "الإسلام السياسي" من معطيات ثورة الربيع، وتقديم نفسه كبديل للأنظمة الساقطة، وسعى إلى الانتقال من مربعات المعارضة، إلى مربعات السلطة، وبدأ قادة "الإسلام السياسي" يتصرفون كحكام، غير أن معظمهم اصطدم بمن حوله من القوى السياسية المختلفة، نتيجة مخزون هائل من الايديولوجيات المتعصبة والمترسبة في أذهان الطرفين، وجميعها ايديولوجيات إقصائية لا تقبل بالآخر، ولا الشراكة معه، وفي أحسن الأحوال، تقف مرتابة، مترقبة لحظة سقوط الآخر أو الانقضاض عليه، كما حدث في مصر.. لكن الشيء اللافت أن ثورات الربيع قذفت بالإسلاميين إلى الحكم دون تجربة سابقة، ووجد الناس أنفسهم يحكمون وتحت أيديهم سلطةً وقراراً ومالاً ومؤسسات دولة، فحدث ارتباك في المشهد، والأداء، وتقدمت القوى الأخرى معارضة وداعمة لإرباك الإسلاميين، وإسقاطهم تحت أي ذريعة أو مسمى.
 
* تنظيم القاعدة هو كيان متخفٍ، فيه ما هو إرهابي وجاد في توجهه المسلح، وفيه مخبرون يسعون لتسيير التنظيم الدولي للقاعدة بما يخدم توجه الأنظمة العربية، وفيه كيانات مزروعة وتابعة لاستخبارات غربية وعالمية، وتحت مبرر الحرب على الإرهاب، تم ضرب دول وأحزاب وأفراد، وفي كل الأحوال يجب القضاء على التطرف والإرهاب، حتى يتم قطع المسوغات والذرائع التي تُقمع بها الشعوب وتُضرب بها الدول.. فهذا الكيان الخبيث ليس صادقاً في كل أفعاله وأقواله، فهل يُعقل أن تقوم "القاعدة" بضرب أبراج وتسقط طائرات وفي الوقت نفسه لا تستطيع تقديم تسجيل صوتي واضح، ثم إن قتل الأبرياء والعُزّل ضاعف من نقمة الشعوب العربية تجاه "القاعدة"، وأفقدها التعاطف الشعبي.
 
* تأثير ثورات الربيع العربي سيمتد لعقود طويلة، فما حدث كان أشبه بثورة بركان خامل، قدح زناده الشاب التونسي محمد البوعزيزي، ودون ريب فإن ثورات الربيع قد غيرت في شكل ومسار الأجندات الغربية في المنطقة، وبدأت الدبلوماسية الغربية تأخذ منحى آخر غير ذاك الداعم للحاكم المطلق، وأخذت في حسبانها  إرادة الشعوب.. غير أن مآلات بعض ثورات الربيع كان سيئاً، فالغياب الكلي للدولة في سوريا، والانهيار الجزئي للمنظومة الأمنية في ليبيا ومصر واليمن، أخاف الغرب من صعود التيارات الجهادية، أو على الأقل تكاثر وجودها ونشاطها واتساع قاعدتها الشعبية، لذا لابد للغرب من بناء تحالفات جديدة، مع مراكز القوى الصاعدة، أو ترويضها كأقل تقدير.
 
صحيفة الناس
الحجر الصحفي في زمن الحوثي