نفق جديد لمسيرة معاقة

د. عبدالله الذيفاني
السبت ، ١٨ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٢٩ مساءً
ونحن نحتفل بذكرى خير خلق الله، إمام الأنبياء والمرسلين، رسول العدل والحق، والسلام، النبي الرسول محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي قال: إن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك أمرئ مسلم أو كما قال، النبي الذي قال وهو يخرج من مكة: والله إنك لأحب البقاع إلى نفسي لولا أن أخرجني أهلك منك ما خرجت أو كما قال عليه الصلاة والسلام والذي قال لأهل مكة بعد الفتح وبعد معارك شرسة وطويلة، «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ونحن نحتفل بهذا النبي العظيم رسول الرحمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» نرى ونشاهد جريمة بشعة تتم بحق جماعة من اليمنيين المسلمين المنتميين لهذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، من قبل جماعة أخرى تدعي وصلاً بهذا النبي الرسول عليه الصلاة والسلام عقيدة ونسباً وولاية. 
إنها صورة عجيبة غريبة، كيف تتداخل النقائض في صورة واحدة، أريد رسمها، وتناسى الرسام أن القراء اليوم للصورة ليسوا من السذاجة والبلادة بحيث لا يدركون طبيعة ما يجرى، وأسبابه والعوامل الحقيقية التي تقف خلفه.. ومن ثم فإن القراءة التي وصل إليها الكثيرون لما حدث في دماج، ويحدث حولها في أكثر من جبهة عسكرية فتحها الحوثي في عمران وحجة، والجوف، وغيرها ليست لوجه الله وترجمة لرسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام، قدر ما تمثل رسالة وأغراضاً من نوع آخر، تجري في مجرى مختلف، وتخرج من منبع مختلف وتصب في مصب مختلف، فدعونا في هذه العجالة نقرأ ما حدث في دماج من الوجهة القانونية والإنسانية على قاعدة المشروع الكبير الذي تسعى إليه اليمن اليوم عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل واليمن الجديد، يمن الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة المتساوية، واحترام حقوق الإنسان في الشراكة والاستمتاع بالأمن والاستقرار وحماية الدولة لسلمه الاجتماعي ورأيه وخياراته. 
ووفق ذلك نقول: إن ما حدث في دماج يهدد أركان الدولة المأمولة والمطلوب بناؤها عبر الحوار والتوافق، فصمت مؤتمر الحوار والقوى والمكونات المشاركة فيه وقبولها بإجراء التهجير بعد صمتها على الحرب وسفك الدماء والحصار على دماج، هو قبول بوأد مساعيها، والإعلان والتسليم لمن يمتلك القوة العسكرية الضاربة، والتأييد الخارجي الفعال أن السيد وصاحب القرار والإرادة والإدارة، وهو من يحق له البقاء والهيمنة، وهو من يحق له أن يمسك بزمام الأمور حيث تتواجد قوته. 
 إن تزامن هذا الحدث الخطير مع المحطة الأخيرة لمؤتمر الحوار، هو تأكيد لما سبق، وهو حدث يتناقض جملة وتفصيلاً مع كل القيم المعلن عنها في مؤتمر الحوار على رأسها: 
- الانتصار لحقوق الإنسان. 
- المواطنة المتساوية. 
- الشراكة الوطنية. 
- حماية السلم الاجتماعي. 
- العدالة. 
وغيرها، وما حدث كان انتهاكات لحقوق الإنسان، وللمواطنة المتساوية، والشراكة، والسلم الاجتماعي، والعدالة بكل معانيها وأبعادها سواء الانتقالية أو الدائمة.. 
إن هذه المباركة لهذه الجريمة الإنسانية، ستفتح شهية من يعتقد الانتصار، بتوسيع انتصاراته الوهمية في أمكنة أخرى، وأن يتخذ من التهجير ووقف إطلاق النار في الجهات التي يُقاتل ويقاتل فيها، محطة للم شعثه وقواه، وأخذ نفساً عميقاً في محطة، سينتقل منها إلى محطات أخرى. 
وهذا ليس تحليلاً يجانب الحقيقة، بل هو مستمد من واقع حركة الحوثي وقواته المنتشرة على أكثر من جغرافيا، وأسلوبه في التعامل مع من يخالف الرأي، والمذهب، وعلينا أن ندرك أن ما نقوله في التوسع سيحدث ما دامت المواقف أو الإجراءات الرسمية هي الصمت والوساطة والمباركة، وتوفير وسائل المواصلات لنقل الطرف الأضعف إلى ساحات جديدة في سياق توسيع معسكرات المهجرين والنازحين هرباً من الموت بالسيف وغيره، وبما يؤدي إلى تفخيخ المستقبل أكثر مما هو مفخخ اليوم بالكثير من البؤر والقنابل الموقوتة. 
إن الذي حدث، ياأيها الناس، سابقة لا ينبغي مباركتها، ويجب على كل المناصرين للدولة المدنية والمواطنة المتساوية أن يقفوا وقفة جادة تضرب على يد الظالم، وتوقف ظلمه، ونتوقع أن تكون الوقفة الأولى في مؤتمر الحوار، الذي ينبغي أن تكون في رفض ما حدث والإسراع في توقيف ما تم، وعدم مسايرة الحوثيين في تصفية صعدة من المناوئين لهم في العقيدة والمذهب والرأي، والتجارب تقول لنا ذلك، 
•فقد تم تهجير الآلاف من أبناء صعدة الذين خالفوا الحوثي. 
•كما تم تجهير يهود بني سالم الذين وفرت لهم السلطات في حينها مساكن بديلة في العاصمة، وهذا كان بمثابة تشجيع للاستمرار في سياسة التهجير. 
واتصالاً بذلك، شن الحرب على دماج واستمراره بحصار مطبق لما يزيد عن ثلاثة وتسعين يوماً، انتهت بالتهجير والسلطات تضبط النفس، وترسل وساطات، يقول رئيسها المناضل يحيى منصور أبو أصبع بشجاعة: إن الحوثي هو من عليه إيقاف الحرب، فهو يملك الأسلحة الثقيلة والقوة المنظمة، والسلطات تسمع وتشدد على ضرورة استمرار الوساطات، دون مرافقة ذلك إذا قبلناه لأسباب وظروف المرحلة الراهنة، بإجراءات حازمة وشديدة بما تمتلك من قوة ومشروعية، تمكنها من بسط إرادتها وقراراتها. 
ما حدث في دماج من أكثر من ثلاثة أشهر جريمة سكتت عنها كل القوى المحلية والإقليمية الدولية، رغم أنها انتهكت كل الشرعيات والقوانين الوطنية والدولية، فعلى الصعيد الوطني، فإن التهجير يتعارض جملة وتفصيلاً مع نصوص ومضامين الدستور والقوانين النافذة المؤكدة على حرية التنقل والاستقرار للمواطن اليمني حيث يشاء. 
وعلى صعيد الشرعية الدولية بمواثيقها وعهودها وهيئاتها ومنظماتها التي ترعى الأمن والاستقرار الدولي، والتعايش والحريات، كما تدعي تلك الوثائق وتؤكد نصوصها على أن التهجير والنقل القسري جريمة ضد الإنسانية، ثم إن ما حدث يضرب مخرجات الحوار بمقتل قبل أن تخرج، ويفسد وثيقة الحلول والضمانات، قبل أن يجف حبر الموقعين عليها، والتي أكدت على حق المواطنين في الانتقال والعمل وممارسة أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية. كل هذه النصوص والتأكيدات تجعل ما حدث تحت طائلة المساءلة القانونية، وتتناقض في الأول والأخير مع سنن الله سبحانه وتعالى التي نص عليها في القرآن الكريم «والأرض وضعها للأنام». 
إن مخاطر ما حدث يمكن أن نوجزه بالآتي: 
- الفرز المذهبي. 
- منح مشروعية لاستخدام القوة. 
- تحويل أصحاب الرأي إلى مسارات غير سلمية، للانتصار لآرائهم والبحث عن داعمين ومرجعيات إقليمية ودولية، تسند هذه الآراء وتمنحها القدرة والقوة على البقاء وبسط آرائهم بالوسائل غير السلمية. 
- الخروج على الحاكم، فالسلفيون، كانوا من أكثر الجماعات ومازالوا طاعة لولي الأمر، وجاء قبولهم بالتهجير ترجمة لهذه الطاعة، بينما الحوثي لم يكن يوماً مؤمناً ليس بمبدأ طاعة ولي الأمر بل بطاعة الدولة ومشروعية مؤسساتها، وبقبول سيادتها ورفض لأية سيادة غير سيادتها. 
- تشكيل بؤر توتر على مستوى الوطن، وإضافة عوامل جديدة لشحن الأجواء المتوترة فعلاً. 
ونقول في الأخير لكل ذوي السلطة والقرار: إذا كان التهجير هو الحل لبسط السلام والسلم في دماج خاصة وصعدة على نحو عام فكان ينبغي بل ويجب أن يكون للطرفين، فرأس الطرفين من خارج صعدة وعليهما الذهاب بعيداً، وترك أبناء صعدة يتعايشون ويعيشون حياتهم على النحو الذي يرونه، أما أن يتم تهجير طرف فهو خضوع لمن يعتقد أنه انتصر، واستغلال ظرف المنكسر وتوظيف طاعته لولي الأمر، من ناحية، وحرصه على ما تبقى من طلبة العلم وسكان دماج الذين كانوا تحت صوت المدفعية، وصرخات الجوع والألم والجراح، وخذلان القوى الرسمية والمجتمعية له من ناحية أخرى. 
إن هذا المؤشر يجعلنا نرفع أكفنا لله سبحانه وتعالى أن يحمي هذا البلد من هذا النفس الدموي، والخيار القائم على القوة والإقصاء القسري، ومما يثير مخاوفنا هو الانصياع لهذا الخيار، وكما تفيد المعلومات إن الحوثي لم يمكن الجيش من بسط سلطة الدولة وفق الاتفاق إلا في النقاط والمواقع التي يراها، وأنه مازال ممسكاً بأسباب القوة والوجود القائم عليها في دماج وحولها، ومن ثم فالمستقبل في نفق جديد تم فتحه بالتهجير. 
والله من وراء القصد.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي