في زاوية ما من المشهد العربي، وفيما تختلط الفلسفة بالتنظير الأجوف، ويطبع الحياد باسم التأمل، يطل علينا الدكتور محمد الشنقيطي بلحية فكرية باهتة، يلوح للناس بورقة "المفكر الحر" في يمينه، بينما يسقي بيساره مشروعا أيديولوجيا لا يجهله أحد:
المشروع الإيراني ومنظومته الح...وثية.
والشاهد أن الشنقيطي ليس رجلا بسيطا، بل هو قارئ نهم للتاريخ، يزخرف مقالاته بأسماء الصحابة والفقهاء والفلاسفة، ثم يغمسها بخفة يد في حبر طائفي لا يُخفى على عاقل.
فهو المفكر الذي قرأ "سقوط الدولة الأموية" بعيون قوم اجتهدوا لإسقاطها منذ ١٤ قرنا، ثم وجد في الحوثي ظلا جديدا لمعاوية، وفي قتلاه صورة لعمار بن ياسر، حتى إنك لتظن أن صعدة هي كربلاء جديدة، لا ينقصها سوى الحسين.
فيا شنقيطي، الحياد ليس أن تساوي بين المذبوح والذابح، بل أن تنظر للسكين جيدا. لا تأتي إلينا من قطر – وفي جيبك جواز حرية الفكر – لتخبرنا أن الحرب في اليمن "عبثية"، بينما الح..وثي يقصف مأرب ويحاصر تعز ويزج بالأطفال إلى محارق الأيديولوجيا، ثم يرفع شعار "الموت لأمريكا" وهو يقتل مسلما يمنيا بجوار بيته.
نعم..
لقد كنت يوما طالبا في جامعة الإيمان، اليمنية ، حتى فُصلت منها بعد أن تخليت عن معاوية رضي الله عنه لصالح تأويلات لا يقول بها إلا تلامذة محمد حسين فضل الله في الضاحية الجنوبية.
فهل هذا هو العمق الفكري الذي تزعم أنك تستند إليه؟ أن تقف فوق ركام القتلى في اليمن، وتكتب تغريدة أشبه بماكينة "نسبرسو" فكرية: سريعة، لامعة، لكنها بلا طعم، بلا رائحة، بلا ضمير؟
ثم تُنَظِّر – بنبرة شاعرية – أن الح..وثي يدعم غزة، كأنك نسيت أن من ذاق النار لا يصدق من يشعلها وهو يهتف باسم القدس.
و هل رأيت أطفال صعدة يدرسون في كتبهم أن عائشة رضي الله عنها "محاربة للإمام الحق"؟ وهل جلست مع أمهات المختطفين في سجون الح..وثي؟ أم أن الحرية الفكرية لا تستلزم السفر إلى تعز ومأرب، بل تكفيها تذكرة من الدوحة إلى إسطنبول لملاقاة بعض الأكاديميين الغاضبين؟ أصحاب الولاء والبراء.
طبعا..ما أبأس المشروع حين يلبس عمامة المفكر، وما أبأس المفكر حين يتحول إلى "ستاند باي" إعلامي لمليشيا مذهبية لا تعرف من الدين إلا شعاراته.
ولقد أعطاك الله عقلا، لا بأس، لكن العقل وحده ليس كافيا. إذ لا يكفي أن "تفكر"، بل أن تتجرد. ولا يكفي أن تكتب، بل أن تشهد للحق وإن خالفك هواك.
أما قولك إن الصحابة تقاتلوا، فكأنك تقول: بما أنهم فعلوها، فللحوثي أن يفعل مثلهم. هذا منطق صبياني، لا يليق بمفكر، بل بمراهق سياسي يخلط بين "الاجتهاد" و"التواطؤ".
على انك، يا شنقيطي، يجب أن تعرف إن العقل ليس نعمة إلا إذا صحبه ضمير، والحرية ليست مكرمة إذا تحولت إلى ترخيص بتمرير الأذى، وقضية فلسطين ليست رخصة لغسل الجرائم الح...وثية.
نعم،انه محمد بن شنقيطي كما لم يُشنقط من قبل، لكنه هذه المرة شنقط التاريخ والفكر والمروءة في تغريدتين. والكارثة ليست في أن تفكر، بل أن تفكر بلا وجع، أن تنظر للموتى من فوق، وتقول: "فلنتأمل".
خلاصة القول إنه فهلوي يعرض الماء في حارة السقايين، حسب المثل المصري ، يبيع الحكمة لمن فقدها هو، ويُلقي خطبا في شوارع مدمرة صنعتها سلبيته، كأن الفلسفة تعفيه من دموع الأمهات.!
"هو محمد المختار الشنقيطي (مواليد سنة 1966) ناشط سياسي ومؤلف وباحث وأكاديمي موريتاني. يعمل حاليا في جامعة حمد بن خليفة كأستاذ مشارك في الأخلاقيات السياسية وتاريخ الأديان. وإلى جانب ذلك، يظهر الشنقيطي باستمرار على قناة الجزيرة، وله إسهامات منتظمة في موقع الجزيرة.نت، حيث نُشرت له مئات المقالات باللغتين العربية والإنجليزية. درس وحصل على درجات علمية في الفقه، والترجمة، وإدارة الأعمال، وتاريخ الأديان. وقد تُرجمت مؤلفاته ودراساته إلى عدد من اللغات من بينها التركية والألبانية والبوسنية والفارسية. يعتبر الشنقيطي ناقدا قويا للأنظمة العربية، ويكتب بإسهاب عن الربيع العربي والحضارة الإسلامية والحداثة الإسلامية." ويكيبيديا
والشاهد إنها سيرة ذاتية عجيبه :
ففي زمن تُباع فيه الشهادات على موائد الفضائيات، يخرج علينا "أستاذ الأخلاقيات السياسية" بتغريدات تكاد تكون خطبا في محراب الذات.
نعم..محمد المختار الشنقيطي، المولود من رحم النصوص، يضع قدما في جامعة، وأخرى في اليوتوبيا الإسلامية، ثم يطل على الجزيرة بوجه المصلح وبيان المتنبي.
..ناقدٌ للأنظمة وهو ضيفها، ثائرٌ بالكلمات في مناخ مكيف، يكتب عن "الربيع العربي" وكأن أوراقه لم تسقط بعد. وإذ تترجم كتبه للغات شتى، لكن فكره يراوح مكانه: أخلاقيات بلا مسؤولية، وتاريخ أديان بلا عمق. يروي للغرب قصة إسلام حداثي، وللشرق نشيد ماض لم يتجدد.
وهكذا..في حضرة هذا النوع من الأكاديميين، يصبح العقل العربي مجرد مشهد مسرحي... عنوانه: التناقض النزيه.!
وأكثر من ذلك، هو كائن عجيب، كائن الدوحة وطهران ليس إلا، يكتب بأنف عربي وقلب مستعار، يُتقن لغة المنطق لكنه لا يسمع صراخ الضحايا.
وإذ يتحدث عن الحرية بفم مكمم، ويمدح المظلومية بيد تصافح الجلاد، كأنه ضمير المفكر الذي لا يعمل إلا على بطارية إيرانية الصنع.
-->