عاشوراء... بين نجاة موسى وتمزيق اليمن!

د. علي العسلي
السبت ، ٠٥ يوليو ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٢٧ مساءً

 

في عاشوراء، وقف موسى عليه السلام على ضفة البحر، يوشك أن يُبتلع بين جيش فرعون والماء الممتد، فأنجاه الله ونجّى قومه.

أما اليمنيون، وبعد آلاف السنين، فيقفون على ضفةٍ أخرى من التاريخ؛ يُقتل الآلاف، وتغمر مدنهم الظلمات، وتكوي أجسادهم حرارة الصيف، وتزيد معاناتهم ندرةُ المياه الصالحة للشرب، لا سيما في الحالمة تعز.

لكنهم، رغم كل ذلك، لا يواجهون بحرًا، بل طوفانًا حوثيًا اجتاح البلاد لعقدٍ من الزمن أو يزيد، ولا يزال!

فلم يُفلِتوا كما أفلت موسى، ولم ينجوا كما نجا بنو إسرائيل، بل كأنهم سقطوا في شِراك "فرعونٍ جديد" لا يحمل عصًا، بل لغمًا، وصاروخًا، وطلقةً حاقدة، وصرخةً فارغة!

عاشوراء، اليوم العاشر من شهر محرّم، يحمل رمزية دينية متنوّعة بين طوائف المسلمين؛ فعند أهل السنة، هو يوم نجّى الله فيه موسى وقومه من فرعون، فكان النبي ﷺ يصومه شكرًا لله، وقال: "نحن أحق بموسى منهم".

أما عند الشيعة، فهو يوم استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء عام 61 هـ، وقد تحوّل لديهم إلى طقوس حزن ومآتم.

فهو يوم دمٍ ومأساة، يوم كربلاء والخذلان، يوم نحيب لا نصر، ولطمٍ لا فرج؛ وغالبًا ما تتحوّل المناسبة من تذكارٍ ديني إلى منصة تعبئة مذهبية لا تنتهي، تُستثمر سياسيًا لتغذية شعور المظلومية في سياقات ثأرية وانتقامية معاصرة.

يتقاطع عاشوراء بين النجاة والفاجعة؛ 

فعند السنة هو يوم نصر وفتح، حين شقّ الله البحر لموسى وأهلك فرعون،

أما عند الشيعة، فهو يوم حزن ومأساة، يُريقون فيه دماءهم في ما يُعرف بالتطبير (ضرب الرأس بالسيوف أو الشفرات الحادة). 

وقد استُشهد فيه الحسين، فتحوّلت الذكرى إلى وسيلة تعبئة مذهبية لا تنتهي.

وهنا تتجلّى المفارقة: 

موسى قاد شعبه إلى الحرية،

 بينما يستلهم الحوثيون كربلاء ليقودوا اليمن نحو العبودية!

الحسين خرج على الظلم، والحوثي يكرّسه باسمه!

عاشوراء الحوثيين... المفارقة الكبرى

خلال السنوات 2014–2024، حوّل الحوثيون عاشوراء من مناسبة دينية إلى منصة سياسية طائفية، يُفرض فيها الحضور، وتُوظَّف المؤسسات والمساجد والمدارس لخدمة خطاب مذهبي مستورد يُقصي المخالفين ويقمعهم.

وقد أُنفقت الملايين على الطقوس، في وقتٍ يرزح فيه الناس تحت خط الفقر، وتغيب فيه الخدمات الأساسية، فتتحوّل الذكرى إلى وسيلة لفرض هوية مذهبية ضيّقة على حساب الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

وكما قال فرعون القديم: "أنا ربكم الأعلى"، جاءنا "فرعون العصر" في اليمن، متدثرًا بعباءة "الوصي"، مدّعيًا الحق الإلهي، لا في الحكم فقط، بل في التقديس والطاعة السياسية أيضًا.

يُمارس القمع باسم الله، ويستغل الحسين لتكريس الاستعباد، ويطالب اليمنيين بالطاعة العمياء... بلا سفينة ولا نجاة!

وكما تفرّق بنو إسرائيل بعد موسى إلى اثنتي عشرة فرقة، تفرّق اليمنيون بعد انقلاب الحوثي وبسببه إلى كيانات مسلّحة ومربعات متصارعة؛

فالحوثي يدّعي الشرعية الإلهية، بينما يدّعي الآخرون الشرعية الدستورية، أو التفويض الشعبي، أو شرعية المقاومة.

وفي خضم هذا الانقسام، تضيع الدولة، وتتآكل السيادة، ويعلو صوت السلاح على صوت العقل.

أما آن لليمنيين، بعد كل هذا، أن يصنعوا عاشوراءهم الخاص؟

لا بالبكاء ولا باللطم، بل بصيحة وطنية تجمع ولا تفرّق، تتخذ من صبر موسى وعزيمة الحسين منارًا للتحرر من العبودية والاستبداد.

"استعينوا بالله واصبروا"، 

و"هيهات منا الذلة"،

فلْتُوجَّه هذه الشعارات إلى الحوثيين، لا بصيغة طائفية، بل بروح وطنية جامعة، تقول:

"هيهات أن نخضع للاستبداد المتستّر بالدين، أو نقبل بسرقة الكرامة باسم المظلومية!"

فما العمل؟ وأين تبدأ البداية؟

أمام هذا الطوفان الحوثي، لم يعد الصمت خيارًا، ولا الفرجة موقفًا.

الشرعية – التي يفترض أنها الممثل السياسي والقانوني لليمنيين – لم تعد تملك رفاهية الانتظار أو الدوران في حلقات العبث والانقسام.

فعلى الشرعية، بكل أطيافها، أن تتجاوز خلافاتها، وتتوحد في مشروع وطني جامع، يُعيد ترتيب أولوياتها، وينطلق من الداخل أو حتى من المنافي.

لا بد من إعادة بناء مؤسسات الدولة، لا بشكل رمزي، بل فعليًّا على الأرض، ينطلق من العاصمة المؤقتة عدن ولكل المناطق اليمنية، وبما يوازي حجم التحدي.

كما يجب التحرك في ثلاثة مسارات متوازية:

1. المسار السياسي: باستعادة القرار السياسي من عبث الوصايات، والبدء بحوار وطني شامل لا يُقصي أحدًا إلا من حمل السلاح ضد الدولة.

2. المسار العسكري–الأمني: بتوحيد القوى تحت قيادة وطنية لا مناطقية، تعيد الاعتبار للجيش الوطني والمقاومة الحقيقية، وتحسم التردد في مواجهة مشروع السلالة.

3. المسار الإعلامي والثقافي: بتكثيف التوعية والعمل بكل قوة على نزع القداسة عن "الصرخة"، وكشف زيف دعاوى المظلومية، وتقديم خطاب وطني جامع يُقارع مشروع الكهنوت بأسلوب عصري وواعٍ.

فهل تنتصر إرادة الحياة على طوفان الفوضى؟ وهل تمتلك الشرعية الجرأة على التحرر من سباتها قبل فوات الأوان؟!

ختامًا...

في عاشوراء، نجا موسى من فرعون؛

 فهل ننجو نحن من "فرعون اليمن"؟

وفي عاشوراء، استُشهد الحسين من أجل الكرامة؛

 فهل نستعيد كرامة صنعاء وكل المحافظات المختطفة؟

في كل عاشوراء، يستحضر الناس مآسي التاريخ... أما آن لنا، نحن اليمنيين، أن نُوقف مأساة الحاضر؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي