ترامب بلا شروط... وايران بلا استسلام: المواجهة وشروط الواقع

د. فائزة عبدالرقيب
الخميس ، ١٩ يونيو ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٥٥ مساءً

اليوم هو السابع من تبادل الضربات بين اسرائيل وايران، منذ انطلاق عمليات «Operation Rising Lion» في 13 يونيو الجاري. الحرب الجوية تتصاعد، والضربات المتبادلة تستهدف منشآت استراتيجية وسط تهديدات متبادلة ونزوح مدني واسع، بينما العالم يراقب بقلق محموم ويحاول احتواء تصعيد قد يخرج عن السيطرة في اية لحظة.

في قلب هذا المشهد المعقّد، يطل دونالد ترامب بجملته اللافتة: "على إيران أن تستسلم بلا شروط". لاشك بأنها ليست مجرد عبارة عابرة، كما اعتدنا من ترامب الذي لا يفرّق بين التصريحات السياسية والحملات الانتخابية. فهو يُدرك أن تأجيج المشاعر الوطنية الاميركية يحتاج إلى "عدو خارجي"، وأن اظهار الحزم تجاه ايران يعزز صورته لدى قاعدته الانتخابية. غير أن معطيات الواقع الميداني تعكس صورة مختلفة تمامًا: إيران، رغم الخسائر، لم تستسلم ولم تتراجع بل وسّعت دائرة الرد لتشمل البحر والمجال الجوي، ولا تزال تحافظ على  حضور نفوذها الاقليمي من اليمن الى لبنان والعراق.

هذه ليست نهاية الحرب، بل بداية فصل جديد في اعادة هندسة توازنات الاقليم. فاسرائيل تريد تثبيت معادلة جديدة: لا خطوط حمراء بعد اليوم ولا حروب بالوكالة فقط. اما إيران، فهي تدرك أن اي تنازل في هذه المرحلة سيُفهم كهزيمة استراتيجية لا تغتفر، لا داخليا ولا خارجيا. من هنا، تبدو دعوة ترامب:

"الاستسلام بلا شروط" اقرب الى صدى لحرب نفسية لا تعكس ميزان القوى بل تحاول كسره اعلاميًا.

وهنا تحديدا، تصبح الحرب النفسية نصف المعركة، بينما النصف الاخر تحدده شروط الواقع، تلك التي تفرض على الطرفين حدودا للفعل ورد الفعل وتعمل على توجيه التصعيد وكبحه. ويمكن تلخيص ابرز هذه الشروط كما يلي:

اولا: التوازن بين القدرة والتكلفة:

تمتلك اسرائيل قوة ضاربة مدعومة بالتقنية والاستخبارات الغربية لكنها لا تستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة ومتعددة الجبهات. في المقابل، لا تزال ايران قادرة على الرد، لكنها تدرك أن اي نزيف عسكري داخلي قد يهدد استقرار النظام.

ثانيا: التحكم الامريكي بسقف المواجهة: صحيح أن واشنطن تُدير المشهد عن بُعد، لكنها لا تسعى الى حرب كبرى قبيل الانتخابات النصفية المرتقبة. وادارة ترامب رغم نبرتها الصارمة، تميل الى الاحتواء لا الانفجار وتُمسك بزمام "الردع المقيّد"، وتضغط من الخلف لضمان عدم الانفلات.

ثالثا: هشاشة الاقتصادين:

ترزح ايران تحت وطأة العقوبات المشددة فيما تواجه اسرائيل عجزا ماليا متفاقما بفعل الانفاق العسكري وتباطؤ النمو. لذلك فإن كلا الطرفين غير قادرين على تمويل حرب طويلة الامد، ولا شعبيهما قادران على تحمل كلفتها المتصاعدة.

رابعا: صمود الحلفاء:

تعتمد ايران على محور المقاومة، لكنه هشّ ومثقل بالازمات. وكذلك اسرائيل، تراهن على دعم غربي قد يتآكل مع امتداد امد الحرب واتساع نطاقها. واي تصدع في تحالفات اي من الطرفين – سواء بانسحاب حليف او تعطل جبهة من جبهات الدعم – قد يُربك المعادلة ويخلخل توازن القوى في الإقليم.

خامسا: الحرب الاعلامية والنفسية: باتت التصريحات والتسريبات والمواقف جزءا من ميدان المعركة، بل شرطا موازيا للسلاح، خصوصا داخل المجتمعين الاسرائيلي والايراني. من هنا، لا يمكن اعتبار عبارة ترامب "الاستسلام بلا شروط" تحليلا استراتيجيا بل قذيفة صوتية تستهدف ثقة الداخل الايراني. وبالمثل، لا يُفهم الرد الايراني كمجرد استعراض انفعالي، بل كرسالة صمود موجهة بالدرجة الاولى الى الداخل.

وما نشهده اليوم ليس سباقا نحو نصر ساحق، بل ادارة منظمة لحرب استنزاف خاضعة لضوابط الواقع. إنها مواجهة بين رغبة في الحسم تسكن ادارة ترامب، وقدرة ايرانية على الاستمرار، مقيدة بالكلفة والمخاطر. 

المواجهة اليوم،  تُحكم بشروط واقع، تفرض قواعد توازن دقيق: قصف مدروس، رد محسوب، سقف أميركي، كلفة اقتصادية، ورهانات نفسية. والخروج عن هذه الشروط قد يشعل المنطقة، لكنه لا يبدو مرجحا في المدى القريب، ما لم تقع مفاجأة نوعية – كاغتيال كبير، او قصف نووي، او تدخل امريكي مباشر. والتصعيد امر وارد  وربما يستمر، لكن المسار واضحا: لا منتصر حاسم، بل استنزاف مفتوح. اما من سيكتب فصول هذه الحرب، ليس "الاستسلام بلا شروط" ولا "الصمود بلا نهاية"، بل شروط الواقع وحدها، هي من تكتب النهاية.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي