ما يحدث اليوم ليس مجرد تطور عابر في الصراع بين اسرائيل وايران بل لحظة سياسية فارقة ينبغي أن تُستثمر لإعادة تشكيل التوازن داخل اليمن قبل أن تستعيد ايران واذرعها تماسكها. فالمواجهة انتقلت من المناورات التكتيكية الى مرحلة استراتيجية تعيد رسم خريطة قواعد الاشتباك في الاقليم، وتفرض واقعا جديدا على القوى الاقليمية.
المنطقة اليوم، ليست امام تصعيد مؤقت بل امام تحول استراتيجي يعيد ترتيب اولويات الردع ونفوذ القوى ويغير قواعد اللعبة التي استغلتها طهران عبر وكلائها وعلى رأسهم جماعة الحوثي الانقلابية، الذراع الابرز لطهران في الاقليم.
ان الزلزال العسكري والسياسي الذي يضرب ايران وانشغالها الداخلي ينعكس مباشرة على الحوثيين الذين اصبحوا يعانون ارتباكا حقيقيا يهدد فعاليتهم العملياتية ويضعف من قدرتهم على المناورة داخليا وفي البحر الأحمر، الى جانب تقليص مواردهم العسكرية والمالية، الامر الذي يفتح فراغات امنية ثمينة للحكومة الشرعية للتحرك إذا امتلكت الجرأة و وفق خطة بأهداف حقيقية و واضحة.
السؤال المحوري: هل تدرك الحكومة الشرعية حجم لحظة ارتباك طهران وفرصتها لاعادة تموضعها في المشهد الاقليمي؟
لاشك بأن اي ارتباك في مركز القيادة في طهران لا يقتصر على ايران وحدها بل يؤثر على منظومة الحروب بالوكالة التي بنتها ايران لعقود، ويُعد اليمن جزءا اساسيا منها، كما ان تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي حول فرض حصار بحري وجوي على الحوثيين تكشف تغيرا في قواعد الاشتباك وتوسعا في نطاق الرد الاسرائيلي ليشمل كل ذراع يمتد من طهران لتهديد أمن اسرائيل والمصالح الغربية.
المفارقة أن الشرعية لا تزال متأخرة في استثمار هذا التغير السياسي والدبلوماسي النوعي، رغم أن الوضع الاقليمي الجديد يمنحها فرصة غير مسبوقة لتدويل ملف الحوثيين وتحشيد مواقف دولية واضحة ضدهم. لكن هذه الفرصة معرضة للضياع إذا استمر التباطؤ والتردد.
اللحظة الراهنة تفرض على الشرعية الانتقال من رد الفعل الى الفعل المؤثر والابتعاد عن دور المراقب او الاعتماد فقط على الضغوط الخارجية. المطلوب خطوات عملية متزامنة تعيد تموضع الدولة في معادلة الصراع، بدءا بتنشيط المسار الدبلوماسي على اعلى المستويات لإعادة طرح ملف الحوثيين باعتبارهم جماعة ارهابية عابرة للحدود تهدد الأمن الاقليمي والدولي. وان مشروعهم الانقلابي هو امتداد للمشروع الإيراني، الذي يهدد الهوية والسيادة اليمنية. الى جانب ذلك، يجب تعزيز الاصطفاف الوطني الواسع، متجاوزا الحسابات المناطقية. ان اللحظات السياسية الكبرى نادرة، ومن يعرف كيف يلتقطها يمكنه تغيير مصير بلاده. واليوم، في ظل اهتزاز العمق الايراني، لا يبدو الحوثيون اقوياء كما يظهرون بل اكثر عرضة للضغط والتراجع. فهل تتحرك الشرعية؟
-->