مقولةٌ استوقفتني، اقتبستها من تغريدةٍ لإحدى المناضلات في القيادة الناصرية باليمن، قالت فيها:
"الضحايا وحدهم من يرون في الحرب بين إيران والكيان الصهيوني عدالةً ربانية، وقوانينَ إلهيةً منصفة...
من ذاق ظلم إيران في اليمن والعراق وسوريا، ومن ذاق ظلم إسرائيل في فلسطين؛ وحدهم اليوم يرون إنصاف الله لهم...
أيّ دمار، وأيّ دماء توجعنا، لكن في هذه الحالة، فوالله إنه الإنصاف الربّاني لنا!"
نعم... رأيتُ غزّة في تل أبيب!
رأيتُ الدمار، والحرائق، والهلع، ووالله لقد أثلج صدري ما شاهدته من خرابٍ يعمّ تل أبيب وسواها من المدن المحتلة.
لا شماتةً، ولا شفاءً للقلوب، بل لعلّ من يذوق طعم ما أذاق به غيره من آلام، يدرك أخيرًا معنى الظلم الحقيقي!
فهل تُوقظ نيران العدوان ضمير صانع القرار الصهيوني؟
هل تدفعه الدماء والأنقاض إلى مراجعة جرائمه، ورفع الحصار، والسماح بدخول المساعدات إلى غزة؟
أم يزيده الطغيانُ استكبارًا، ويدفعه الغرور إلى مزيدٍ من القتل والتجويع، فيعجّل بزواله وزوال كيانه الزائل لا محالة؟!
ورأيتُ عمران، وصنعاء، وتعز، ومأرب، ومخيمات النازحين، والمقابر الجماعية في اليمن...
رأيتُ كلّ ذلك في طهران، وأصفهان، وسائر المدن الإيرانية!
يا الله... ما أروع لحظة الاعتبار!
وما أجمل أن يُراجع الإنسانُ نفسه، ويتوب من ظلمه!
ليت القيادة الإيرانية تعتبر!
فتكفّ عن التدخل في شؤون غيرها، وتتخلّى عن تصدير الثورة الخمينية، وتتوقف عن دعم المليشيات الحوثية الإرهابية في بلدنا، وسائر الميليشيات الطائفية في الإقليم، وتضع حدًّا لفتنٍ طائفيةٍ أشعلتها، فمزّقت أوطاننا، وأحرقت حاضرنا، وتهدّد مستقبلنا!
وياليت الميليشيات الحوثية ذاتها تعتبر،
فتنهي انقلابها، وتتحوّل إلى مكوّن سياسي مدني، يتنافس على استمالة المواطن اليمني، بصوته ووده، لا بسلاحه وغدره!
وياليت الشرعية تصحو،
من غفوتها العميقة، وتبادر لإنهاء هذا الوضع الشاذ في اليمن، سِلمًا إن أمكن، أو حزمًا حين يجب!
ورأيتُ الموصلَ وكلَّ العراق، وحلبَ وكلَّ سوريا،
وتذكّرتُ الفوضى غير الخلّاقة التي قادتها أمريكا في بلادنا العربية، ثم رأيتُ آثارها المرتدة على أراضيها، في فلوريدا، وفي لوس أنجلوس تحديدًا، وفي كل ولايةٍ أمريكيةٍ شبّت فيها النيران، أو أُضرمت، جزاءً بما صنعت أيديهم.
أختم فأقول:
إنّ المبادئ لا تتجزّأ...
وإنّ العدالة لا تُسمّى عدالةً إذا رافقتها ازدواجية في المعايير، أو انحياز سافرٌ للمعتدي، أو دعمٌ له بكل أنواع السلاح، أو الحفاظ على تفوّقه العسكري، مع منع أي ضغط دولي عليه لوقف عدوانه أو حصاره، تحت غطاء "الفيتو البغيض".
وإنه لَمن العار أن تُفرض العقوبات على الضحية... لا على الجلاد!
ما أحوج هذا العالم إلى ميزان إنصافٍ حقيقي،
لا يميل مع القوة، بل ينحاز إلى الحق، ويُنصت لنداء المظلومين في كلّ زمانٍ ومكان.
أرأيتم، أحبتي الكرام، كما رأيت؟!
أثلجت صدوركم كما أثلج صدري؟
أما رأيتم شوارع وأحياء تل أبيب وقد غدت كأزقّة غزة، ورفح، وخان يونس، وسائر محافظات فلسطين الجريحة؟
نعم، هناك كما هنا:
عالقون تحت الركام... مفقودون في المجهول... صُخابٌ، وضجيجٌ، وبكاءٌ، وأنين!
ألا فليعتبر من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد!
-->