الذكرى الأولى لما بعد اليوبيل الذهبي لحركة 13 يونيو التصحيحية: محطة ملهمة في التاريخ اليمني
تُمثّل الذكرى الـ51 لحركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية، بقيادة الزعيم القائد الشهيد البطل إبراهيم محمد الحمدي ــ رحمه الله ــ، إحدى المحطات الأهم في التاريخ اليمني الحديث.
إنها محطة للتأمل والتزوّد بالأمل، بما يمكن أن يُنقذ اليمن من الطيش الحوثي، ومن الفوضى المدمّرة التي تجاوزت الداخل لتصل إلى الإقليم والعالم.
اليمن اليوم... تكرار لما قبل التصحيح
يعيش اليمن اليوم وضعًا شديد الشبه بما كانت عليه البلاد قبل انطلاق تلك الحركة المباركة في عام 1974؛ فوضى سياسية، واضطراب اقتصادي، وانفلات أمني.
ففي تلك الحقبة، كانت الجمهورية العربية اليمنية ترزح تحت وطأة التقطعات، والعصابات، والمليشيات التي تجوب البلاد بطولها وعرضها، فيما كان الأمن شبه معدوم.
في المقابل، كانت عدن آمنةً مستقرة، تتابع ما يجري في صنعاء، وتدعم التغيير القادم دون شروط. فاليمن جسدٌ واحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
وها هي اليوم ــ عدن ــ تقود معركة التحرير والخلاص من براثن عصابة الحوثي الإرهابية.
في ثلاث سنوات فقط... دولة من لا شيء
خلال ثلاث سنوات وأربعة أشهر فقط، تمكّنت الحركة التصحيحية وقائدها العظيم من إنهاء الفوضى، وإعادة الأمن، والانطلاق نحو تنمية شاملة غير مسبوقة.
لقد أرست أسس الدولة، وشيدت بنيتها التحتية، التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم، رغم ما تعرّضت له من مصادرة ونهب وتدمير.
دعوة للشرعية: القرار أولًا، ثم الإنجاز
تقع اليوم على عاتق القيادة الشرعية مسؤولية اتخاذ القرار الحاسم بإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، بكل مؤسساتها وموانئها وسلاحها المنهوب.
ولتكن المناطق المحررة نموذجًا مُلهمًا يحرّك المشاعر المكبوتة في نفوس الناس داخل مناطق سيطرة الحوثي، ويُفجّر غضبًا شعبيًا واسعًا، يُسقط الشرعية الزائفة للمليشيا، ويُعيد الاعتبار للجمهورية.
صحيح أن السنوات العجاف العشر الماضية كانت ثقيلة الوطأة، لكن الإرادة الصادقة قادرة على اختصار الزمن وتحقيق التغيير.
لا نطلب من القيادة الشرعية أن تُنجز في ثلاث سنوات ما أُنجز سابقًا، بل نطالبها فقط باتخاذ القرار الشجاع.
وليكن الزمن مفتوحًا مراعاةً للظروف... فالمطلوب ليس المستحيل، بل البداية.
أما النهايات، فهي بيد الله، وهي لمن صدق وتوكّل وانتصر!
التعاونيات: عندما تحوّلت البنادق إلى معاول
لم يكن نجاح الحركة التصحيحية ليُكتب لولا الجهود الشعبية الجماعية، وعلى رأسها التجربة التعاونية الرائدة.
فقد تحوّلت البنادق إلى معاول، والقبائل من الاقتتال إلى تقاسم الأمتار لشقّ الطرق يدويًا، ثم بالجرافات.
مثّلت التعاونيات روح المبادرة والتنمية، وأسهمت بفاعلية في بناء المدارس والمستوصفات وشقّ الطرق، وتكاملت مع الجهد الرسمي، فنجحت التجربة وأصبحت نموذجًا يُحتذى به.
واليوم، نأمل أن تُترجم الشعارات والتفاهمات والاتفاقات إلى واقع عملي:
أن يتحقق الاصطفاف الوطني، وتُبنى شراكة حقيقية في صناعة القرار وتنفيذه، وتُوحّد الرؤية والخطاب، وتندمج كل التشكيلات العسكرية والمقاومة في جيش وطني واحد، تحت قيادة موحّدة وغرفة عمليات مشتركة.
فليتقدّم القادة الصفوف نحو الخلاص الوطني الذي أعلنوه هم، ولم يُطلب منهم!
المغتربون: دولة بديلة في ظل الغياب
في ظل انقطاع الرواتب وتدهور الاقتصاد، لا يمكن إنكار أن المغتربين اليمنيين باتوا يقومون بدور الدولة.
فهم من دعموا الأسر، ورصفوا الطرق، وأقاموا المدارس والمراكز الصحية، وأحيوا مظاهر التكافل الاجتماعي.
ولولاهم، لما صمدت كثير من الأسر، بل لما بقي للدولة شرعية تُذكر.
برنامج تنموي وإصلاحات مؤسسية
أطلقت الحركة التصحيحية برنامجها التنموي للفترة (1973–1976م)، وأقرّت أول خطة خمسية، وشكّلت اللجنة العليا للتصحيح، ومنحتها صلاحيات رقابية شاملة.
وقد أُنشئ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتبعته النيابة الإدارية والمحاكم المختصة.
وكان القانون رقم (130) لسنة 1976م قانونًا ثوريًا بكل المقاييس، إذ منح اللجنة صلاحيات غير مسبوقة، وتمّت محاسبة المفسدين علنًا، بل وعلّقت أسماء المرتشين على أبواب مكاتبهم للتشهير بهم وردع غيرهم.
أما اليوم، فنحن بأمسّ الحاجة إلى تفعيل مؤسسات الرقابة وتجديد دمائها، وإعادة الاعتبار لهيئة مكافحة الفساد، وعودة مجلس النواب إلى الانعقاد وأداء مهامه الرقابية والتشريعية.
كما نحتاج إلى تهيئة كل السبل الممكنة لتنفيذ ما أُعلن من أولويات ومحددات رئاسية وخطط حكومية إصلاحية، حتى لا تبقى مجرّد شعارات معلّقة في الهواء.
القضاء: ركيزة الأمن والدولة
أولت الحركة التصحيحية اهتمامًا كبيرًا بالسلطة القضائية، فأنشأت محاكم متخصصة (عسكرية، تجارية، مرورية).
ويُسجَّل اليوم لفخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي إعادة الاعتبار للقضاء كأحد أعمدة الدولة إلى جانب الأمن، بإطلاق يده ومنحه المساحة الكافية للعمل.
مرحلة ذهبية للحكم الرشيد
كانت تلك المرحلة ذهبية بامتياز.
اختفى خلالها التقطّع، والنهب، والسطو، والتلاعب بأسعار الوقود.
وقُضي على الاحتكار بقرار شجاع من الرئيس الحمدي، حين خاطب التجار قائلاً: "انتهى شهر العسل!"
انتشر الرخاء، وتحسّن ميزان المدفوعات، وتدفّقت تحويلات المغتربين نحو المشاريع العامة، لا سيما التعاونيات التي كانت تحصل على نصف عائد الزكاة.
الوحدة اليمنية: من الأحلام إلى الطرق فإلى الواقع
الوحدة اليمنية كانت حلمًا يمنيًا متجذرًا، ونتيجة مسار نضالي طويل.
في عهد الحمدي، شُقّت الطرق التي ربطت الشمال بالجنوب، وبدأت الوحدة عمليًا، حتى تحققت رسميًا في 22 مايو 1990.
كما عالج قضايا اجتماعية شائكة:
فبسّط إجراءات الإرث، ومنع إحرام الإناث، وقلّل المهور، وحظر إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات.
كان قائدًا مصلحًا بحق!
استلهام النموذج... من تعز إلى كل اليمن
نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى تفعيل السلطات المحلية، وتنمية الموارد الذاتية، ومحاسبة الفاسدين.
وما يجري في تعز من كشفٍ موثّق لملفات الفساد يُعدّ ظاهرة صحية وبداية مبشّرة.
صفات القائد... الحمدي نموذجًا
لم ينجح الحمدي ببرنامجه فقط، بل بسلوكه القيادي:
كان بسيطًا، متواضعًا، قريبًا من الناس، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ينزل إلى الميدان، يغرس الأشجار معهم، ويهدم السجون بيده.
ومن أبرز رموزه، هدمه شخصيًا لسجن "رادع" السيئ الصيت، وتحويله إلى موقف سيارات، في رسالة قوية ضد الظلم.
باغتيال الحمدي... اغتيل وطن
لم يكن اغتيال الحمدي اغتيالًا لرجل فحسب، بل لوطنٍ كان يُبنى ويزدهر.
ودّعه الشعب اليمني بالأسى والدموع، لأنهم شعروا أن باغتياله اغتيل الحلم.
قادة اليوم... تفاعلوا مع شعبكم!
نحن في عصر التواصل الاجتماعي، وليس مطلوبًا من قادة الشرعية أن ينزلوا إلى الشوارع كما فعل الحمدي، بل أن يفتحوا منصاتهم ويتفاعلوا مع الناس، يستمعوا لمظالمهم، ويتبنّوا مقترحاتهم.
ليبنوا لهم مكانة في قلوب الناس... لا ليكونوا "مثل الحمدي"، بل ليُنجزوا... فيُحَبّوا!
ختامًا...
في الذكرى الـ51 لحركة 13 يونيو التصحيحية، يتداخل الفرح بالحزن، والأمل بالألم، خصوصًا في ظل التصعيد الخطير فجر اليوم بالعدوان الصهيوني على إيران، واحتمال الردّ الذي قد يصيب منطقتنا الممزّقة.
لقد تُركت إيران تعبث بمحيطها العربي، ولم تتحرك الدول العربية لإنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين منذ أكثر من 77 عامًا.
لم تنتصر الأمة لفلسطين، ولم توقف الإبادة في غزة.
تُرك الجوع يحاصرهم، والخوف يفترسهم، بلا فكاك ولا رجاء.
نسأل الله السلامة، وندين بأشد العبارات العدوان الصهيوني – الأمريكي على إيران، واليمن، وسوريا، ولبنان، وكل شبر من وطننا العربي والإسلامي.
والخزي والعار للصهيو-أمريكي!
-->