المكاشفة السياسية في اليمن: بين شجاعة المواجهة وارتباك القرار

د. علي العسلي
الخميس ، ١٢ يونيو ٢٠٢٥ الساعة ٠٧:٤٩ مساءً

 

 

في الأيام الأخيرة، خرج رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، بتصريحات جريئة اعتبرها البعض مكاشفة نادرة من رجل دولة، فيما رآها آخرون انعكاسًا لحالة ارتباك وتخبط في إدارة المرحلة.

 

لقد اختار الرئيس العليمي أن يخاطب اليمنيين بصراحة غير معهودة، كاشفًا عن عمق الأزمة وتعقيداتها، ومعبّرًا عن انزعاجه مما وصفه بـ"دلال الحوثي"، من خلال عبارات مثل:

 

"قال لنا الوسطاء، وقلنا للحوثيين عبر الوسطاء – ولتجنيب تدمير البنى التحتية قررنا الاستجابة".

 

كما عبّر عن ضيقه من الضغوط الأحادية التي تُمارس على حكومته فقط.

لكنه، في الوقت نفسه، بدا وكأنه يسعى لاجتراح حلول من خارج الصندوق.

 

وأقول: حتى لو نجح في ذلك، فهل سيسمح له من هم داخل الصندوق بمجرد التفكير بهذه الحلول، فضلًا عن تنفيذها؟! حتمًا سيُمنع.

 

لكنني أرى أن التفكير الإبداعي والمنطقي، وتصميم خطة مذهلة – ولو من خارج الصندوق – لا يجب أن يقتصر على تحريك الجبهات فقط، بل يشمل استخدام كل وسيلة فاعلة للانقضاض على الحوثي ومراكزه وإنهاء انقلابه.

هنا فقط يمكن القول إن التفكير الإبداعي قد أفضى إلى انتصار غير متوقّع.

 

خطاب جلسة الحكومة في عدن بعد تعيين سالم بن بريك

 

في مضامين خطابه، بدا العليمي صريحًا، متحدثًا عن المحددات الرئيسية للحكومة، وأبرزها:

 

• أولوية البناء المؤسسي.

 

• التعافي الاقتصادي والخدمي.

 

• وضع العاصمة المؤقتة عدن في صدارة الاهتمام.

 

• جعل النمو الاقتصادي في قلب الأولويات.

 

• تنمية الموارد غير النفطية وتحسين كفاءة تحصيلها.

 

• تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.

 

• إنشاء هيئة عليا لإدارة جهود الإغاثة.

 

• العمل من الداخل باعتباره عنوانًا للجدية والمصداقية.

 

كما دعا إلى:

-تحفيز القطاعين الزراعي والسمكي لتحقيق الأمن الغذائي.

- دعم استقلالية البنك المركزي.

- تحسين الخدمات الأساسية وانتظام دفع الرواتب.

- إصلاح البعثات الدبلوماسية.

- تأمين الموارد العامة للدولة واستعادة ثقة المواطنين.

- ترشيد الإنفاق العام بسياسات تقشفية واقعية.

- إعادة تنظيم العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية.

- إنشاء لجنة عليا للمناقصات وتفعيل الرقابة.

- مراجعة سياسة الابتعاث الخارجي.

 

التحديات التي تعيق تنفيذ السياسات

 

هذه المحددات الجيدة يجب أن يُرافقها تشخيصٌ دقيقٌ للأسباب الجوهرية التي أعاقت تنفيذ مثل هذه السياسات لدى الحكومات السابقة.

ومن أهم تلك الأسباب:

• ضعف القرار السيادي.

 

• تعدد مراكز القوى داخل السلطة الشرعية.

 

• غياب رؤية وطنية جامعة.

 

أن أخطر ما يمكن استخلاصه من الخطاب هو:

 

 احتمال إعادة النظر في "الشرعية" نفسها إذا استمرت الضغوط.

 

هذه العبارة لا ينبغي أن تمر دون إثارة القلق؛ بل إنها قد تؤجج مخاوف اليمنيين من أن عدم دعم الشرعية لتحقيق هذه المحددات قد يكون مؤشرًا على ترتيبات تُطبخ خارج البلاد، وربما بعيدًا عن مصلحة اليمن ووحدته ومستقبل شعبه.

 

شجاعة الاعتراف... لكنها لا تكفي

 

لا شك أن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل،

غير أن المكاشفة وحدها لا تُعد إنجازًا سياسيًا.

 

الشجاعة الحقيقية تبدأ حين:

 

• يعترف القائد بمواطن القصور داخل سلطته.

 

• يشرع بإصلاحها من الداخل.

 

• يحدد الإجراءات المطلوبة بوضوح، دون الاكتفاء باللوم والتبرير.

 

الصراحة والشفافية في العمل السياسي مظهر من مظاهر النضج الديمقراطي والحكم الرشيد،

ولكن إذا اقتصرت على الخطاب دون أفعال، فإنها:

 

تُربك الرأي العام،

 

وتُفقد الدولة هيبتها،

 

وتُقوّض ثقة المواطن بالشرعية.

 

ماذا بعد المكاشفة؟

 

المرحلة تتطلب من القيادة اليمنية الانتقال من مربع الشكوى إلى مربع الفعل والمبادرة، عبر:

 

1. إعادة ضبط البوصلة الوطنية نحو الدولة ومؤسساتها.

 

2. دمج القوى المؤيدة للشرعية في مشروع وطني جامع لا يُهيمن عليه طرف.

 

3. تفعيل الدبلوماسية الدولية بذكاء واستقلالية بدلًا من الارتهان للأجندات.

 

4. وضع خطة اقتصادية طارئة تنطلق من الداخل وتخاطب الخارج بلغة المصالح.

 

وإن لم يتم ذلك، فإن المكاشفة – مهما كانت صادقة –

قد تتحول إلى لحظة اعتراف بالهزيمة، لا محطة انطلاق نحو التصحيح.

 

في الختام

 

لا تزال الفرصة قائمة لإصلاح المسار، بشرط أن تتحول المكاشفة إلى:

• بناء جبهة وطنية موحدة تؤمن بالدولة اليمنية الاتحادية العادلة.

 

• استعادة القرار الوطني من الوصايات.

 

• إعادة ترتيب الأولويات بين العمل التحريري والخدمي.

 

• الضغط من أجل حل سياسي عادل لا يُبقي السلاح بيد الميليشيا ولا يُغيب الدولة.

 

فالمكاشفة سلاحٌ ذو حدين:

 

إن جاءت بلا أفعال، أصبحت أداة إحباط وتآكل للثقة الشعبية.

 

وإن اقترنت بإجراءات مسؤولة، تُحدث صدمة إيجابية، وتعيد الاعتبار للموقف الوطني، وتدفع نحو التغيير المنشود.

 

اليمنيون اليوم بحاجة إلى قيادة شرعية شجاعة، لا في الخطاب فحسب، بل في القرار والموقف والرؤية.

 

 فالتاريخ لا يرحم المترددين،

ولا يمهّل من يضع يده على الجرح دون أن يشرع في علاجه.

والوقت ليس في صالح أحد.

 

فليس هناك مجدٌ دون تحرير، ولا دولة بلا سيادة، ولا سلام دائم بلا عدالة.

 

خميسكم سعيد

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي