خاطرة جمعة (8): المقسطون في رحاب المحبة الإلهية

د. علي العسلي
الجمعة ، ٢٣ مايو ٢٠٢٥ الساعة ١٢:١٧ صباحاً

 

أولًا: التدبر في قوله تعالى [المائدة: 42]:

"سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۚ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"

في هذه الآية، وفي سائر مواضع ذكر "القسط" في القرآن الكريم، يُفتح أمامنا باب لفهم ركيزة من ركائز العدل الإلهي، وقيمة عظيمة يحبها الله في عباده.

لقد وردت هذه الآية في سياق الحديث عن طائفة من أهل الكتاب، كانوا يأتون النبي ﷺ يطلبون حكمه، لا رغبة في الحق، بل طمعًا في التلاعب بالشرائع.

ورغم فساد نواياهم، يأمر الله نبيه أن يحكم بينهم بالقسط، أي بالعدل التام غير المتحيز.

إن الله يحب من يعدل، حتى مع من ظلمه أو أراد به السوء.

العدل في الصلح علامة على صدق الإيمان، ومظهر من مظاهر حب الله لعبده.

القسط مطلوب حتى مع المخالفين في العقيدة، ما لم يكونوا معتدين.

ثانيًا: مفهوم "القسط" في القرآن الكريم

"القسط" يشير إلى العدل الكامل، وأحيانًا يتجاوز ذلك ليعني العدل المقرون بالإحسان، مع التجرد من الهوى، والاحتكام للحق.

ثالثًا: الرسائل والعبر من آيات القسط

1. العدل أساس قيام الأمم، والظلم سبب في هلاكها وزوالها.

2. القسط لا يُطبق فقط بين المسلمين، بل يشمل غيرهم أيضًا.

3. أعظم درجات القسط أن تقيمه على نفسك، وعلى من تحب.

4. الأنبياء أُرسلوا لإقامة القسط، فالقسط مهمتهم قبل أن يكون مهمة الحكام.

5. القسط محبوب عند الله، فهو ليس مجرد واجب شرعي، بل طريق لمحبة الله ورضاه.

رابعًا: دعاء مستوحى من آيات القسط

اللهم اجعلنا من المقسطين، الذين يقيمون العدل في أنفسهم وأهليهم وأمتهم،

اللهم ارزقنا التجرد من الهوى، وثبّتنا على القسط في الرضا والغضب،

اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"،

اللهم اجعلنا مفاتيح للعدل، مغاليق للظلم، ووفقنا لنصرة الحق حيث كان،

اللهم إنا نعوذ بك من جور الحكام، ومن ميل القضاة، ومن ظلم القريب والبعيد،

واجعلنا ممن يقيمون القسط لوجهك الكريم، لا يخافون فيك لومة لائم.

... وجمعة مباركة...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي