اليمن بين التباينات والمواقف المتناقضة... من يُنقذ البلاد؟

د. علي العسلي
الخميس ، ١٥ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:٢٧ مساءً

 

يعيش اليمن أزمة مركّبة ومعقّدة، تتجاذبها تباينات داخلية حادّة، وتناقضات إقليمية ودولية تُربك مسار الحل وتؤجّل فرص الخروج من النفق المظلم. ففي الداخل، يتمسّك الجمهوريون بمبادئ الثورة والدولة الوطنية الحديثة، في مواجهة مشروع إمامي متخلّف يسعى إلى إعادة إنتاج سلطة تفتقر إلى الشرعية الشعبية الداخلية، وتتغذّى على الدعم الإيراني.

وعلى الضفة الأخرى، تعاني الشرعية اليمنية من حالة تفكك وتباين داخلي مزمن بين مكوناتها السياسية والعسكرية، ما أضعف أداءها وموقفها، وأربك حسابات داعميها الإقليميين والدوليين، ووسّع فجوة الثقة بينها وبين الشارع اليمني. ما أدى إلى انحراف مسار التحالف العربي عن أهدافه المعلنة، وحوّل الآمال في انفراج سياسي أو حسم عسكري إلى سراب

أما جماعة الحوثي، فقد فرضت مشروعًا أيديولوجيًا دخيلًا على الثقافة اليمنية، لا يحظى بقبول شعبي حقيقي، وتعمل على ترسيخه عبر أدوات قسرية تتنافى مع روح المجتمع اليمني وتطلعاته المستقبلية.

على المستوى الإقليمي، وعلى الرغم من تواجد القيادة اليمنية الشرعية في الرياض، العاصمة التي باتت مركزًا لحراك دبلوماسي نشط واستضافة قمم وتحالفات استراتيجية مع قوى دولية، فإن اليمن كان غائبًا عن مشهد تلك القمم، ما يعكس تراجع حضوره الإقليمي والدولي، وهو مؤشر خطير ينبغي التنبه له وتداركه.

وقد تجلى التباين الدبلوماسي الخليجي في مواقف متعددة، أبرزها الكلمة التي ألقاها أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، بشأن الاتفاق الأمريكي-الحوثي حول "عدم استهداف كل طرف للآخر"، حيث وصف الحوثيين بأنهم "السلطة المعنية" في اليمن، وهو توصيف أثار حفيظة السعودية. وقد نبهه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى ما يحمله هذا التوصيف من التباس، فسارع الشيخ مشعل إلى تصحيح العبارة، موضحًا أنه كان يقصد الاتفاق بين "أمريكا والسلطة غير الشرعية" على وقف إطلاق النار، في خطوة تصويبية مهمة أعادت التأكيد على المرجعية السياسية للأزمة اليمنية.

وفي سياق متصل، يستمر الموقف العُماني في دعم الحوثيين كسلطة أمر واقع، وهو موقف يتطلب مراجعة جادة من قبل الحكومة الشرعية، التي ينبغي لها أن تربط أي تواصل مع مسقط بإعادة تقييم هذا الانحياز الواضح.

أما إعلاميًا، فإن قناة الجزيرة القطرية تواصل تبني خطاب متعاطف مع الحوثيين، بينما تستمر سلطنة عُمان في استقبال قياداتهم ورعاية تفاهماتهم، وتظهر الكويت في بعض المناسبات ميلاً للموقف العُماني. كل هذه المؤشرات تضعف الموقف الخليجي الموحّد، وتفتح ثغرات تنفذ منها الجماعة الانقلابية لتعزيز شرعيتها الزائفة.

وفي تطور لافت، شارك الرئيس السوري، أحمد الشرع، في لقاءات سياسية رفيعة المستوى في الرياض، التقى خلالها الرئيس الأمريكي، وذلك بحضور الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة تركية عن بُعد. جاء ذلك عقب إعلان الرئيس ترامب في الرياض رفع العقوبات عن سوريا استجابةً لطلب ولي العهد السعودي وأطراف أخرى. في المقابل، غابت القيادة اليمنية عن هذا الحدث، رغم أن اليمن يُعد محورًا أساسيًا في الصراع الإقليمي، لا سيما في ظل التدخل الأمريكي عبر الضربات الجوية، ما عكس انطباعًا مؤلمًا بتراجع مكانة الشرعية على الساحة السياسية، وهو أمر لا يليق بدولة تقدم التضحيات الأكبر في سبيل حماية أمن المنطقة

كان الأحرى إشراك القيادة اليمنية في مثل هذه اللقاءات لتأكيد حضورها، وتجديد الثقة بها كطرف رئيس في المعادلة السياسية الإقليمية، لا تهميشها في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع.

أما عن الحلّ، فإن إنهاء الانقلاب الحوثي يظل المدخل الرئيسي لأي مشروع تنموي أو شراكة استراتيجية مستقبلية. ويتمثل هذا الحل في أحد خيارين:

دمج الحوثيين في عملية سلام جادة وشاملة، وهذا خيار محفوف بالمخاطر بالنظر إلى سجلهم في نقض الاتفاقيات ونكث العهود.

الحسم العسكري بدعم فعّال للجيش الوطني، مع إلزامه بالالتزام بالمعايير التي تضمن حماية المدنيين واستعادة القرار الوطني.

ولا يمكن لأي مشروع للسلام أن ينجح في اليمن إذا استمر تهميش الشرعية، فاستبعادها لا يفتح باب التسوية، بل يكرّس الفوضى ويمس بأمن المنطقة بأسرها.

صحيح أن غياب الشرعية عن بعض اللقاءات الدبلوماسية الحساسة قد يثير تساؤلات، غير أن تحميلها كامل المسؤولية أمر غير منصف. فالسياق الإقليمي والدولي بالغ التعقيد، والشرعية اليمنية تجد نفسها أمام تحديات مزدوجة: من جهة، تسعى للحفاظ على دعم الحلفاء، ومن جهة أخرى، تحرص على عدم الظهور بمظهر المتواطئ مع أي طرف يضر بمصالح اليمن أو يمس سيادته. فلو ظهرت صور لقاءات مباشرة للرئيس رشاد العليمي،هو وبعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مع الرئيس ترامب في الرياض، لوقعت الواقعة؛ إذ كيف يلتقي من اعتدى على اليمن ومنشآته الحيوية طيلة اثنين وخمسين يومًا؟! كانت لتُطلق فورًا الاتهامات بالعمالة والخيانة، ولتم توصيف تلك اللقاءات بأنها مباركة ضمنية للقصف الأمريكي، وهو أمر لم يحدث أصلًا، لا تصريحًا ولا تلميحًا. إن تعقيدات المشهد السياسي تفرض على القيادة الشرعية أحيانًا اتخاذ قرارات دقيقة تجنّبها الوقوع في فخ الاستغلال السياسي والإعلامي الذي قد يُستخدم لتشويه صورتها أمام الداخل والخارج.

من هنا، فإن الطريق إلى الخروج من الأزمة يبدأ بإجراءات واضحة:

إعادة ترتيب البيت الداخلي للشرعية وتوحيد صفوفه.

توحيد الرؤية والموقف الخليجي تجاه اليمن.

وقف أي دعم إعلامي أو سياسي لجماعة الحوثي.

تعزيز الشراكة والتنسيق مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها اللاعب الأقدر على إنهاء الأزمة إذا توفرت الإرادة السياسية اليمنية الحاسمة.

ولا بد من التذكير بأن مرجعيات الشرعية اليمنية، في حيثيات اتخاذ قراراتها الرئاسية، تستند في ديباجة تلك القرارات إلى وثائق خليجية واضحة ومعلنة: 

- المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (2011).

- اتفاق الرياض (2019).

- إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي (2022).

فكيف تُقر هذه الدول بهذه المرجعيات ثم تنقلب على مضامينها من خلال اعتراف ضمني بسلطة الانقلاب؟! هذا تناقض لا يخدم إلا الحوثيين، ويبعث برسائل خاطئة لليمنيين.

ختامًا...

إنقاذ اليمن يتطلب معالجة جذرية للتباينات الداخلية والتناقضات الإقليمية والدولية التي أربكت المشهد وأطالت أمد الصراع. 

فلا يمكن لليمن أن ينهض ما لم تتوحد مكونات الشرعية وتستعد ثقة شعبها، وما لم يلتزم الحلفاء الخليجيون برؤية موحّدة وواضحة تُجسّد الأهداف المعلنة، دون تناقض أو تراخٍ.

ويجب وقف كل أشكال الدعم، المباشر أو غير المباشر، للانقلاب الحوثي من بعض الأطراف الخليجية، سواء إعلاميًا أو سياسيًا، والعمل على استعادة الدولة اليمنية من خلال مشروع وطني جامع، يستند إلى إرادة داخلية صلبة، وإسناد إقليمي صادق ومتّسق.

فمن دون موقف موحد يحترم مرجعيات الشرعية ويفعّلها عمليًا، ستظل البلاد تدور في حلقة مفرغة من الانقسامات والتدخلات، بينما يتعمق الجرح اليمني وتضيع فرص الإنقاذ.

فاليمن لا يفتقر إلى الرجال، بل إلى الإرادة الموحدة والموقف الحازم.

فهو يقف اليوم على مفترق طرق حاسم، لا يحتمل المجاملة أو التردد. 

 

المطلوب: إرادة وطنية حقيقية، ورؤية خليجية موحدة، وعمل جاد لاستعادة الدولة، وبناء نظام جديد قائم على الشراكة الوطنية، والتنمية الشاملة، والسيادة المستقلة.

وخميسكم سعيد وجمعتكم مباركة مقدمًا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي