خواطر رمضانية (24) – تدبر في الآية الكريمة (28) من سورة الحج

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ٢٥ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠٤:٢٦ صباحاً

 

تفسير وتدبر قوله تعالى:

"لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" (الحج: 28)

جاءت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن فريضة الحج، حيث يبيّن الله سبحانه وتعالى أن من مقاصد هذه الشعيرة العظيمة أن يشهد المسلمون المنافع المتعددة التي أودعها الله فيها.

"ليشهدوا" أي ليحضروا ويروا بأعينهم، ويدركوا هذه المنافع، ويعيشوها بأنفسهم. وتشمل هذه المنافع الجوانب الروحية، والاجتماعية، والاقتصادية، مما يجعل الحج والعمرة تجربة متكاملة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

أوجه المنافع في الحج والعمرة:

1. المنافع الروحية:

التقرب إلى الله من خلال العبادات وأداء المناسك.

إقامة الشعائر والاستفادة من شرف الزمان والمكان.

تحقيق الطمأنينة والسكينة الروحية.

2. المنافع الاجتماعية:

لقاء المسلمين من مختلف بقاع الأرض، وتبادل المعرفة والتجارب.

تعزيز قيم الوحدة والتآخي بين الشعوب الإسلامية.

إتاحة فرص التعارف وإقامة العلاقات الأخوية والتجارية.

3. المنافع الاقتصادية:

تنشيط حركة التجارة من خلال البيع والشراء وتبادل السلع والخدمات.

استفادة الفنيين والاختصاصيين والعمال وأصحاب الحرف والمهن من موسم الحج والعمرة في تحسين مصادر دخلهم.

توفير فرص عمل موسمية لأبناء المملكة والمقيمين، وحتى بعض المعتمرين باتوا يسترزقون ويستفيدون من منافع الحج والعمرة.

تطبيقات الآية في واقع الحرمين الشريفين

لقد حرصت المملكة العربية السعودية، عبر ملوكها المتعاقبين، والعاملين على إدارة الحرمين الشريفين، على تجسيد هذه الآية واقعًا معاشًا. ويظهر ذلك من خلال التطوير المستمر للخدمات والتسهيلات المقدمة للحجاج والمعتمرين. ومن أبرز هذه الجهود:

1. التوسعة والخدمات الهندسية:

توسعة الحرمين الشريفين لاستيعاب ملايين الحجاج والمعتمرين.

إنشاء المطاف الموسع، والمسعى المكيف، وتوفير دورات مياه وسلالم كهربائية.

تطوير الفنادق ودور الضيافة المجهزة بكافة وسائل الراحة.

تحسين أنظمة النقل، مثل "قطار المشاعر المقدسة" وشبكات الطرق الحديثة.

2. الخدمات الصحية والطبية:

إنشاء مستشفيات ميدانية داخل الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.

توفير خدمات الطوارئ والإسعاف على مدار الساعة.

تقديم فرق طبية متخصصة لضمان صحة الحجاج والمعتمرين.

3. خدمات النظافة والإعاشة:

تشغيل فرق نظافة على مدار الساعة للحفاظ على قدسية المكان.

توزيع مياه زمزم المبردة في كل أرجاء الحرمين.

تقديم وجبات صحية مجانية للحجاج لضمان تغذيتهم السليمة.

4. الدعم الاقتصادي والتجاري:

تشجيع الأنشطة التجارية المشروعة مثل محلات الهدايا والتذكارات الإسلامية.

دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تخدم الحجاج.

توفير فرص عمل موسمية للمواطنين والمقيمين، وحتى لبعض المعتمرين.

5. الخدمات الشخصية والمنافع الفردية:

إنشاء صالونات حلاقة مجهزة لخدمة الحجاج في الحرم والمشاعر المقدسة.

توفير الصيدليات والخدمات الطبية السريعة.

تسهيل خدمات الشحن لضمان راحة الحجاج في عودتهم إلى أوطانهم.

الخلاصة: رسالة الآية في العصر الحديث

إن تحقيق المنافع للحجاج والمعتمرين هو واجب شرعي، تتولاه المملكة العربية السعودية من خلال مشاريعها الضخمة في الحرمين الشريفين. فمن المنافع الروحية والدينية، إلى المنافع الصحية والخدمية، وصولًا إلى التجارة والاقتصاد، كلها تصب في تحقيق مقاصد الحج التي أرادها الله لعباده، ليكون الحج تجربة إيمانية متكاملة من الناحية الجسدية، والروحية، والمادية.

وهكذا، فإن قوله تعالى: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" لا يشير إلى منفعة عابرة فحسب، بل هو مبدأ عملي تعيشه الأمة الإسلامية على مدار العام في العمرة، وخلال مواسم الحج.

دعاء رمضاني مستوحى من قوله تعالى: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ"

اللهم يا من شرعت لنا الحج ليكون موسمًا للمنافع، وفتحت لنا أبواب الخير في رمضان، اجعلنا من الشاهدين لمنافعك العظيمة، ومن المنتفعين برحمتك الواسعة.

اللهم في هذا الشهر المبارك، اجعل لنا في كل طاعة منفعة، وفي كل عبادة بركة، وفي كل عمل صالح قبولًا. أرنا منافع الصيام في نقاء قلوبنا، ومنافع القيام في طمأنينة أرواحنا، ومنافع الصدقات في بركة أرزاقنا، ومنافع الذكر في سكينة نفوسنا.

اللهم اجعلنا من الذين يشهدون المنافع في بيتك الحرام، ويرزقون القرب منك في المشاعر المقدسة، فإن لم تكتب لنا الحج في هذه الدنيا، فلا تحرمنا لذته في الآخرة بدخول جنتك ورؤية وجهك الكريم.

يا رب، كما هيّأت للحجيج من يخدمهم ويسهّل لهم أمورهم، هيّئ لنا من يعيننا على الخير، ووفقنا لنكون من أهل النفع والعطاء. اجعلنا سببًا في قضاء حوائج الناس، ومصدرًا للخير في مجتمعاتنا، واهدنا لما تحب وترضى.

اللهم ارزقنا في هذا الشهر منفعة العلم النافع، وقوة العمل الصالح، وبركة الذكر والتقوى، وراحة القلب بالإيمان. ولا تجعلنا ممن شهدوا المنافع ثم أعرضوا عن شكر نعمك، بل اجعلنا من الشاكرين الذاكرين الساعين في الخير.

اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي