التنظيف لا التطفيف في التوظيف!

د. علي العسلي
الاربعاء ، ١٥ يناير ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٣٣ مساءً

 

اطلعت على تغريدة للصحفي عدنان الأعجم، نائب رئيس نقابة الصحفيين الجنوبيين في العاصمة عدن ورئيس تحرير صحيفة "الأمناء"، حول تصريحات منسوبة لنائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي العميد عبد الرحمن المحرمي. وجاء في التغريدة:

"الأخ القائد عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي: لا يمكن الانتصار للبلاد والعباد في الشمال والجنوب إلا بتنظيف الشرعية من الخلايا الحوثية، فهم متواجدون في معظم مفاصل الدولة، ابتداءً من مكاتب المجلس الرئاسي إلى الحكومة ومعظم البعثات الدبلوماسية. استمرار الوضع الحالي يعني فشلًا حتميًا لكل تحرك."

سواء أكانت هذه التصريحات قد قيلت فعلًا أم لا، فإن مضمونها يعبر عن حقيقة معاشة.

القائد المحرمي أثبت أنه بطل التحرير في الميدان العسكري ضد مرتزقة إيران، فنشدُّ على يديه، ونتمنى له التوفيق في تنظيفهم من أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، بالإضافة إلى تحقيق ميزان العدل وعدم التطفيف لمكونات بعينها على حساب أخرى في التوظيف، فهو إذا قال فعل.

ومن هذا المنطلق، يمكن تقديم قراءة موضوعية للواقع اليمني ومقترحات لإصلاح المؤسسات.

لا شك أن هناك أهمية كبيرة لتنظيف الخلايا الحوثية من أجهزة الدولة المختلفة، وكان ينبغي فعل ذلك عقب انقلاب الحوثي في العاصمة صنعاء واستيلائه على المؤسسات واستعمال الموظفين العموميين كسخرة.

إن وجود عناصر مؤيدة أو متواطئة مع الحوثيين داخل مؤسسات السلطة الشرعية يمثل تهديدًا حقيقيًا لوحدة القرار الوطني. هذه العناصر قد:

-تسرب معلومات حساسة.

-تعطل الجهود الرامية لإعادة بناء الدولة.

-تؤثر في السياسة العامة لصالح مشروع الحوثيين.

لذلك، فإن التنظيف من هذه الخلايا ضرورة تقتضيها المصلحة الوطنية العليا، بهدف ضمان أن تعمل المؤسسات لصالح اليمنيين جميعًا، وليس لصالح أي طرف رهن نفسه لخدمة الأجندة الطائفية والفارسية.

في المقابل، هناك خطر مماثل يتمثل في التطفيف في التوظيف، ويجب إصلاحه أيضًا. إذ لا يمكن أن يقتصر الإصلاح على "التنظيف" فقط، بل يجب أيضًا تجنب التطفيف بالتوظيف. والتطفيف هنا يعني المحاباة والمجاملات والمحاصصة المناطقية دون مراعاة المؤهلات والكفاءات، مما يؤدي غالبًا إلى:

-إضعاف مؤسسات الدولة بسبب تهميش الكفاءات المؤهلة.

-زيادة الفجوة بين المواطنين والدولة نتيجة شعورهم بالتمييز والظلم.

-ترسيخ الانقسام الداخلي، مما يصب في صالح أعداء اليمن.

المحاباة أو إرضاء القوى المسيطرة على الأرض خطر لا يقل عن خطر الخلايا الحوثية، لأنه يؤدي إلى زعزعة الثقة بين أبناء الشعب، ويُفقد الوظيفة العامة معناها المهني أو تحقيق الولاء والرضا الوظيفي.

الولاء الوظيفي هو ارتباط الموظف العاطفي والمهني بمؤسسته، ورغبته الحقيقية في بذل أقصى جهده لتحقيق أهدافها. 

 

أما الرضا الوظيفي فهو الشعور الإيجابي الذي ينتاب الموظف نتيجة تحقيق توقعاته واحتياجاته في بيئة العمل.

إن تحقيق الولاء والرضا الوظيفي استثمار ضروري لضمان نجاح الدولة في كافة مؤسساتها.

السلطة الشرعية بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة وظائفها ومؤسساتها وفقًا للظرف الذي نعيشه، وللمهام التي نريد تحقيقها. هي بحاجة إلى خارطة طريق للإصلاح العادل، تتضمن:

-تعزيز مبدأ الكفاءة والشفافية: اختيار الشخصيات بناءً على الكفاءة والخبرة بعيدًا عن الانتماءات الضيقة.

-تطبيق معايير العدالة الشاملة: ضمان أن تكون عمليات التنظيف مدروسة وعادلة، بحيث لا تتحول إلى وسيلة لتصفية الحسابات السياسية.

-إنشاء لجان مستقلة للمراجعة: تكليف لجان مستقلة بمراجعة أداء المؤسسات والشخصيات، وتقديم تقارير دورية حول الأوضاع.

-إعادة بناء الثقة الوطنية: إشراك جميع القوى الوطنية في صنع القرار وفي التنفيذ.

-تعزيز الوحدة الوطنية: والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية.

خاتمة

إن اليمن يحتاج اليوم إلى نهج إصلاحي جاد يجمع بين التنظيف من العناصر التي تعيق مسار الدولة وتعمل لصالح الحوثيين في انهيار الاقتصاد والعملة، وفي تشويه صورة الشرعية خارجيًا لصالح الجماعة.

كذلك، ينبغي الالتزام الأمين بعدم التطفيف في تطبيق العدالة. لا يمكن إنقاذ اليمن من أزماته إذا استمر استبدال فئة فاسدة بأخرى غير كفؤة أو مناطقية، أو إذا بقيت المحسوبية معيارًا للقرارات.

المطلوب هو العمل بروح المسؤولية الوطنية والتوافق والشراكة في صنع القرار وفي التنفيذ، لتحقيق دولة عادلة وقوية تخدم جميع أبنائها دون تمييز أو استثناء. فقط عبر ممارسات دستورية وقانونية شفافة وعادلة يمكن استعادة الثقة وبناء مستقبل مشرق لليمن الجديد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي