التطبيع الداخلي.. الأساس لبناء يمن مستقر ومستقل!

د. علي العسلي
الجمعة ، ١٠ يناير ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٢٩ مساءً

 

لقد أثلج قلبي أن أرى موقفًا موحدًا من مجلس القيادة الرئاسي ببيان يعبر عن رؤية جماعية لأعضاء المجلس الثمانية، ويستند إلى اجتماعات رسمية مسؤولة بشأن حضرموت. هذا النهج المؤسسي، الذي طالما نادينا به، يستحق كل الثناء والتقدير.

يشير مفهوم التطبيع إلى إعادة العلاقات بين جهات كانت في حالة توتر أو قطيعة إلى حالها الطبيعي، بحيث تصبح سلسة وقائمة على التفاهم والتعاون. والحمد لله، لم تصل العلاقة بين مجلس القيادة الرئاسي ومكونات حضرموت إلى القطيعة أو النزاع، وإنما تجلت الحكمة والمسؤولية من الجميع.

وقد أقر مجلس القيادة الرئاسي حزمة من الإجراءات التنفيذية لتطبيع الأوضاع في حضرموت، أوردها في بيان له، شملت تطبيعًا اقتصاديًا وماليًا وتنمويًا، من خلال اعتماد عائدات بيع النفط الخام الموجود في خزانات الضبة والمسيلة لإنشاء محطتين كهربائيتين جديدتين في ساحل حضرموت وواديها.

كما تضمنت هذه الإجراءات تطبيعًا سياسيًا واجتماعيًا يهدف إلى دعم الجهود الرامية إلى توحيد مكونات حضرموت وتعزيز شراكتهم في هياكل الدولة واستحقاقاتها السياسية.

وعلى الصعيد العسكري، تم الاتفاق على إدماج أبناء حضرموت في القوات المسلحة والأمن وفقًا للقانون ومعايير التجنيد المعتمدة، إلى جانب تطبيع صحي تمثل في إنشاء مستشفى عام باستخدام عائدات الديزل المخزون في شركة بترومسيلة.

كذلك، تم اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقة بين المركز والمحافظة عبر إدارة العوائد المحلية والمركزية لصالح تنمية المحافظة، وفق خطة تنموية مشتركة مع الحكومة ومجتمع المانحين.

هذه الإجراءات تعكس التزام المجلس بمطالب الشعب وتفويت الفرصة على المتربصين. ونحن نؤيد هذا التوجه وندعو إلى تعميمه على باقي المحافظات المحررة، ومن ثم على جميع أقاليم الجمهورية اليمنية. حضرموت أصبحت نموذجًا يُحتذى به لباقي المحافظات، لتعلو أصواتهم ويطالبون قياداتهم باتباع هذا النهج.

إن البيان الصادر عن القيادة الرئاسية يدل على تواصل القيادة مع الشعب وانحيازها لقضاياه. وقد أثارت هذه الخطوات ردود أفعال محلية إيجابية، حيث رحب الدكتور أحمد عبيد بن دغر، رئيس مجلس الشورى، بهذه القرارات ووصفها بالجدية والشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والعدالة، مؤكدًا أنها تعالج قضايا شعبية ودعا المحافظة لدعم جهود الشرعية في مواجهة الحوثيين. كما أشاد المهندس أبو بكر العطاس بالقرارات ودعا أبناء حضرموت للاستفادة منها والمساهمة في بناء المحافظة بروح العمل الجماعي.

من جهتها، أعلنت السلطة المحلية بحضرموت دعمها الكامل واستعدادها لتنفيذ الخطة الرئاسية لتعزيز الأمن والاستقرار، فيما ثمن مجلس حضرموت الوطني الجهود الوطنية وأعلن دعمه للإجراءات التنفيذية التي تعزز التنمية والشراكة الوطنية. كذلك، وصف حلف قبائل حضرموت القرارات بأنها خطوة إيجابية تعكس تطلعات أبناء المحافظة.

هذا التناغم والتفاعل يبعث على الأمل. فحضرموت تُعتبر نموذجًا للاستقرار الأمني والإدارة المحلية الفاعلة، وتتميز بتعدد مكوناتها السياسية والاجتماعية مع تحقيق توافق داخلي يُحتذى به. كما تسهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني من خلال إنتاج النفط، وتعتبر من المحافظات الأكثر دعمًا لاستقرار الدولة الاتحادية. إن أبناء حضرموت مسالمون ويتعايشون مع الآخرين وموالون للسلطة الشرعية، ولذلك فهم ميزان لا يقبل الانحراف عن الجمهورية.

إلى جانب حضرموت، أشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في وقت سابق إلى محافظة تعز كنموذج متميز أيضًا يمكن البناء عليه. فقد قال الأخ الرئيس إن تعز تتمتع بقدرة على المقاومة والصمود ضد الميليشيات الحوثية، وبنشاط شعبي ومدني واسع في الدفاع عن قيم الجمهورية والدولة. إضافة إلى ذلك، أظهرت تعز تلاحمًا مجتمعيًا مميزًا وإدارة ذاتية موجهة نحو المصلحة العامة.

تعز تُعتبر الخزين البشري المورد المهم للدولة؛ إذ يتميز أبناؤها بتواجدهم في شتى المجالات، سواء في الريف أو الحضر. كما أن لهم دورًا لا يُنسى في النضال ودعم الثورات ورفض الاحتلال، وكانوا على الدوام داعمين للمناضلين شمالًا وجنوبًا.

رأى الدكتور العليمي أن هذه النماذج في تعز وحضرموت يمكن البناء عليها لتوسيع دائرة الاستقرار والتنمية في المحافظات الأخرى. ودعا إلى تبني نهج يعتمد على التوافق المجتمعي، وتعزيز الاستقرار الأمني، والإدارة الرشيدة للموارد المحلية كوسيلة لتحقيق الاستقرار الوطني.

غياب التأييد من خارج حضرموت لهذه الخطوات يثير التساؤلات. نأمل أن يمتد التأييد لخطوات القيادة من كافة المسؤولين على مستوى الدولة ومؤسساتها لا شخوصها فحسب، وكذلك من الأحزاب على المستوى المركزي.

إن التوجه نحو تطبيع الأوضاع الداخلية يمثل أولوية وطنية تفوق الولاء للخارج؛ إذ يعزز الاستقرار الداخلي السيادة الوطنية ويفشل المشاريع الخارجية التي تهدد كيان الدولة.

لقد أثبت مجلس القيادة الرئاسي برئاسته الجماعية رؤيته الحكيمة في إدارة ملفات حساسة كحضرموت، مما يعزز الأمل في الانتقال لتطبيق هذا النهج في تعز وباقي المحافظات. فالتطبيع الداخلي هو الأساس لبناء يمن مستقر ومستقل.

خاتمة: دعوة للمأسسة والعمل الجماعي نحو يمن موحد ومستقر

إن التطبيع الداخلي الذي بدأ في حضرموت يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح ومقدمة عملية لبناء دولة اتحادية تعتمد على اللا مركزية كوسيلة لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة. هذا التطبيع ليس مجرد استجابة آنية لمطالب أبناء حضرموت، بل هو درس عملي في كيفية التقبل والتكيف مع ضرورة التخلص من المركزية الشديدة التي أثقلت كاهل الدولة وأعاقت مسار التنمية.

ندعو جميع المكونات الوطنية، الرسمية والشعبية، إلى تبني نهج المأسسة والعمل الجماعي تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي، لضمان تحقيق مكتسبات تعود بالنفع على كافة أبناء اليمن. كما نؤكد على أهمية تعزيز دور السلطات المحلية من خلال نقل مزيد من الصلاحيات إليها، بما يمكنها من إدارة شؤونها بفاعلية وشفافية في إطار الدولة الاتحادية المنشودة.

الحفاظ على اليمن واحدًا موحدًا يجب أن يكون الهدف الأسمى، لأن وحدة الوطن هي الضمان الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية. فلنتكاتف جميعًا، قيادة وشعبًا، لنبني يمنًا جديدًا يتسع للجميع، ويكون نموذجًا يُحتذى به في الإدارة الرشيدة والتوافق الوطني.

إن التطبيع الداخلي هو حجر الأساس الذي يمكننا من الانتقال إلى الحكم الاتحادي كحقيقة واقعة، حيث تتكامل الجهود بين المركز والمحافظات لتحقيق طموحات شعبنا العظيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي