اقتبست هذا العنوان من مقابلة أجراها مستشار الشيخ محمد بن زايد، عبد الخالق عبد الله، مع "جسور نيوز"، والتي تابعتها فجلبت لي وجعًا في الرأس.
قال المستشار:
"جماعة الحوثي وجع رأس. دخلنا مع هذه الجماعة في حرب شعواء لسنوات طويلة. لذلك اتخذت دول الخليج قرارًا استراتيجيًا بإنهاء المعركة مع هذه الجماعة، وبالتالي الهدف من الآن وصاعدًا هو الحوار مع هذه الجماعة بأمل أن يكونوا عقلاء ويعرفوا أنهم جزء من هذه المنظومة الخليجية. وأنا أراهن على أن هؤلاء لا يستمعون إلى المنطق، فلديهم خططهم وأوهامهم بأنهم أسياد اليمن وأسياد الإسلام والمسلمين، فلديهم أوهام ربما أكثر خطورة من أوهام النخبة الحاكمة في طهران".
ثم أضاف:
"الإمارات مع حق الشعب الجنوبي في اتخاذ قراره. والشعب الجنوبي، بكل فئاته تقريبًا، قد أقر أنه يؤسس دولته أو يعود إلى ما كان عليه أصلًا، دولة ما كان يُسمى الجنوب العربي بعلمها وعملتها، بحضورها في مجلس الأمن وفي جامعة الدول العربية. فإذا كانت هذه إرادة الشعب الجنوبي العربي، فالإمارات، وينبغي على كل أحرار العالم، مساندة حقهم في العودة إلى دولتهم المستقلة".
حقًا، في اليمن كل شيء يوجع الرأس ويدمي القلب، حتى من بعض من جاءوا لمساعدة الشرعية فباتوا يخذلونها.
تحليل تصريحات المستشار عبد الخالق عبد الله
هذا المستشار الذي يُستشار يقر بالهزيمة أمام الحوثي، ويعلن أن دول الخليج قاطبة قد اتخذت قرارًا استراتيجيًا بإنهاء المعركة مع الحوثي. لا نُثقل عليهم، ولهم الشكر في كل ما قدّموا وساعدوا.
لكن تصريحاته تكشف عن تحوّل استراتيجي في المواقف. فإلى ما قبل هذا التصريح، كنت، وربما كثيرون غيري، نأمل أن يستمر التحالف العربي في دعمه لأهدافه المُعلنة في اليمن.
فإن كان حقًا قد أعلنوا قرارهم الاستراتيجي، فعلى الشرعية أن تتوكل على الله، وتحرر قرارها وإرادتها، وتتحمل مسؤوليتها في استعادة الأرض من الحوثي الذي أصبح وجعًا ليس على اليمنيين فقط، بل على دول الخليج والعالم أجمع.
ازدواجية الطرح والرسائل المتناقضة
المستشار عبد الخالق عبد الله أشار بوضوح إلى أن دول الخليج قد اتخذت قرارًا استراتيجيًا بإنهاء الحرب مع الحوثي! ولكن في الواقع هناك هُدن قائمة ولم تنتهِ الحرب على الأرض، إذ لا يمكن أن تنتهي الحرب دون تسوية سياسية أو حسم عسكري.
ورغم ذلك، دعا الحوثيين للتعقل والحوار معهم، وأكرمهم مقابل ذلك بالاعتراف بهم كجزء من المنظومة الخليجية!
هل تعتقد يا سعادة المستشار أنهم سيقابلون هذا العرض السخي بالممنونية؟ أم سيعتبرونه ضعفًا وخوفًا وستزداد طلباتهم وشروطهم وابتزازهم؟
تصريح المستشار أظهر نوعًا من التناقض، إذ إنه يعترف بصعوبة الحوار مع الحوثيين، فقد أبدى قناعته بأنهم لن يقبلوا الحوار لأن لديهم أوهامًا خطيرة بأنهم أسياد اليمن والإسلام والمسلمين، وهي قناعة تتوافق مع واقع التجربة. فما الحل إذًا يا سيادة المستشار؟!
الشأن الجنوبي: تجاهل للواقع
أما فيما يتعلق بالشأن الجنوبي، فالمستشار طرح وجهة نظر الإمارات بدعم حق تقرير المصير لشعب الجنوب. لكن هذا الطرح يتجاهل واقع الدولة اليمنية القائمة والمعترف بها دوليًا، والتي دخلت الإمارات اليمن بطلب منها، وهي بعلمها وعملتها ومقعدها في الأمم المتحدة والجامعة العربية ولديها سفير في الإمارات وعندها سفير من الإمارات.
هل تناسى المستشار أن الوحدة اليمنية تم إعلانها رسميًا في 22 مايو 1990؟ ومظالم الجنوب نوقشت بشكل مُفصل في مؤتمر الحوار الوطني، وكانت القضية رقم واحد من أولويات النقاش. وبناءً على ذلك، تم الاتفاق على أن تكون الدولة اليمنية الحديثة دولة اتحادية بأقاليم تضمن توزيعًا عادلًا للثروة والسلطة.
الحوثي: بين التدليس والشعوذة
إذا كان المستشار قد أقر أن الحوثي وجع رأس، فإن الواقع يبرهن أن هذا الوجع يتفاقم بسبب سياسات المراوغة والتناقض التي ينتهجها الحوثيون.
فالحوثيون، بفضل طلاسمهم وشعوذتهم السياسية، وسردياتهم الكاذبة ومراوغاتهم المستمرة في الحوار والتفاوض ونكثهم للاتفاقات التي أُبرمت معهم، باتوا مصدر صُداع دائم لليمنيين، بل وللمنطقة بأكملها. شعاراتهم الخادعة التي يتخذونها ذريعة للتسلط والهيمنة تجعلهم قوة تهديد مستمرة من الواجب كسرها.
الوضع الداخلي: فساد واستبداد
في الداخل اليمني، كل جزئية تفطر القلوب وتخبل العقول. تعقيدات الوضع تُفاقم الصداع. صداع نصفي بين الشرعية ومكوناتها، والنصفي الآخر في المقلب الآخر. وعلى الرغم من أن اليمن تحتل ذيل القوائم العالمية في شتى المجالات، وهي أفقر الدول وتعاني من المجاعة وانعدام الأمن الغذائي، إلا أنها تتصدر مشهد الفساد والإفساد والتجاوزات، ومن حكومات متضخمة وسائر المواقع الأخرى.
خاتمة: البحث عن مخرج
الحوثي وجع رأس، وداعمو الشرعية عليهم أن يدركوا أن الحوثي هدفه وعينه عليهم، فلا يكونوا حاملين لنفس الوصف "وجع الرأس".
الحل ليس في الاستسلام لليأس، بل في العمل على استعادة القرار الوطني وتحرير الأرض. اليمن بحاجة إلى قيادة شجاعة وحلول إبداعية تتجاوز المراوغات والتناقضات.
من هنا، نناشد الأشقاء في السعودية، باعتبارها قائدة التحالف، أن تفي بتعهداتها في استعادة الشرعية وألا تسمح لأي طرف بتقسيم اليمن؛ فهذا سيضرها بالدرجة الأولى.
إن أرادت الأطراف الفاعلة إخراج اليمن من هذا الصداع المزمن، فعليها الاستثمار في حلول واقعية عادلة ومستدامة تعيد لليمن أمنه واستقراره.
فهل سنشهد تلك اللحظة قريبًا؟
-->