معالجة الأزمة اليمنية: رؤية استراتيجية لتحرير المستقبل!

د. علي العسلي
الاثنين ، ٠٦ يناير ٢٠٢٥ الساعة ٠٨:٠٣ مساءً

 

وسط استمرار الصراع اليمني واشتداد المعاناة الإنسانية، تبرز ضرورة إعادة النظر في أدوار الأطراف الفاعلة: "الشرعية، التحالف العربي، والأمم المتحدة".

تتطلب الأوضاع الراهنة استراتيجية جديدة لا تعتمد على الحلول الخارجية فحسب، بل تسعى لبناء مشروع وطني مستدام ينهي الصراع ويحقق السلام والتنمية. ما زالت جماعة الحوثي تُحكم قبضتها على أجزاء من اليمن، مستغلة الانقسامات الداخلية وتراجع أداء الحكومة الشرعية في المناطق المحررة.

في المقابل، تسعى الحكومة الشرعية إلى استعادة ثقة المواطنين من خلال تعزيز الخدمات ومكافحة الفساد كجزء من مسارها نحو الحكم الرشيد.

في هذا السياق، لا بد من الإشادة بالخطوة الجادة التي اتخذتها السلطة الشرعية المختصة بالبدء بمكافحة الفساد تنفيذًا لتوجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس لاستكمال التحقيقات في أكثر من 20 قضية فساد منظورة أمام الأجهزة الرقابية وسلطات إنفاذ القانون.

هذه الخطوة تعكس تحولًا نوعيًا في التعامل مع قضايا الفساد، حيث تشير إلى التزام الحكومة بتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد الذي طالما أنهك المؤسسات، كما تمثل بداية واعدة لتحسين الأداء الحكومي وتعزيز ثقة المواطنين بالشرعية.

على المستوى الدولي، يتحرك المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتعزيز السلام وخفض التصعيد، غير أن هذه الجهود تواجه تحديات جذرية بسبب استمرار الخطاب الحوثي العدائي.

كذلك، الإصرار على عدم الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والدبلوماسيين، ومن قبلهم الآلاف من اليمنيين- ولا يزالون حتى بعد فضيحة سجن " صَدْنَيَا" السوري-، إلى جانب خطاب القادة الحوثيين التحريضي والعدائي، ما يعكس عدم جدية الجماعة في الانخراط بجهود السلام.

نذكّر هنا المبعوث الأممي، وكما قِيل إنه حاليًا في صنعاء، يتفاوض بشأن إطلاق موظفيه فقط، من أنه مسؤول عن الملف اليمني كله وعلى التنفيذ الأمين لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالحالة اليمنية. ونجاحه في إطلاق موظفيه فقط، لا يعد نجاحًا بل إخفاقًا وفشلًا ذريعًا لمهمته في اليمن، وبخاصة وهو ذاته يرعى مفاوضات بين الأطراف اليمنية من أجل "إطلاق الكل مقابل الكل"، فكما يعلم علم اليقين المبعوث الدولي إلى اليمن أن هناك الآلاف في السجون والبدرومات.

تغريدات القيادات الحوثية، مثل محمد علي الحوثي وحسين العزي، تكشف تناقضاتهم الواضحة. ففي حين يطالب الحوثيون بعودة إيرادات النفط والغاز إلى فرع البنك المركزي في صنعاء تحت ذريعة دفع المرتبات، يتجاهلون دفعها بشكل كامل، ما يجعلنا نقارن بينهم وبين الحكم الجديد في سوريا، الذي ادعوا أننا مختلفون عنه. فقد اعتمد هناك زيادة في راتب كل الموظفين بنسبة (400%).

بينما في المناطق المختطفة من قبل الحوثيين، يتم استخدام هذه الإيرادات في تمويل الحرب وزيادة معاناة الشعب. تصريحاتهم تحمل تهديدات مبطنة تهدف إلى إضعاف الشرعية وتشويه صورتها أمام الشعب والمجتمع الدولي.

من جهة أخرى، يروج حسين العزي لفكرة أن الولايات المتحدة مستعدة لعقد "تسويات كبرى" تمنح الحوثيين الشرعية وتسليم القيادة الشرعية لهم مقابل عدم استهداف السفن وإرسال الصواريخ (إلى تل أبيب)، وليس من ضمنها بالطبع وقف الحرب ورفع الحصار على غزة.

هذه المزاعم تكشف حقيقة دواخلهم وتمنياتهم، وتكشف عن بُعدهم عن الشعارات التي يرفعونها، وتُظهر أن هدفهم الأساسي هو الحفاظ على سلطتهم بأي وسيلة ممكنة، دون النظر إلى مصلحة الشعب اليمني أو مظلومية غزة.

الخطاب الحوثي المضلل يتطلب ردًا حازمًا من الشرعية والتحالف العربي من خلال تبني استراتيجية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول – الإرادة الجمعية في إنهاء الانقلاب، وبالتزامن مع تحسين الحوكمة في المناطق المحررة: يعكس بشكل مباشر التزام الحكومة القوي باستعادة كامل الدولة، وبتنفيذ توجيهات القيادة في الاستمرار في التحقيقات في قضايا الفساد، مما يعكس التزامها الواضح بالحوكمة الرشيدة، وهو أمر يُشكر عليه. يجب البناء على هذه الجهود من خلال دعم الجبهات والجنود وتعزيز الشفافية، وتحسين الخدمات الأساسية، وضمان الأمن وحقوق المواطنين.

المحور الثاني - مواجهة التهديدات الإعلامية والسياسية للحوثيين: من خلال تفنيد أكاذيبهم وكشف تناقضاتهم أمام الرأي العام المحلي والدولي، مما يعزز ثقة الشعب بالشرعية ويُضعف الرواية الحوثية.

المحور الثالث - تعزيز التعاون الدولي: التعاون مع الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين لبناء القدرات العسكرية اليمنية يفضي لدعم حل شامل يُنهي الانقلاب ويستعيد الدولة وفقًا للمرجعيات الدولية الثلاث المعتمدة.

لتحقيق تقدم ملموس، لا بد من تشكيل حكومة حرب طوارئ أو حكومة حرب، تكون مهمتها الأساسية استعادة السيطرة على كافة المناطق والموانئ والشواطئ والبحار اليمنية، إضافة إلى وضع خطة شاملة لإعادة بناء الجيش الوطني على أسس وطنية والاقتصاد الوطني ومعالجة التحديات الإنسانية.

أزمة اليمن ليست مجرد نزاع داخلي، بل هي اختبار حقيقي للإرادة الوطنية وقدرة الشعب على تجاوز الصراعات والانقسامات. ما يحتاجه اليمن اليوم هو رؤية وطنية شاملة تُبنى على قيم الحرية والعدالة والتنمية المستدامة، تعالج جذور الأزمة وليس مظاهرها فقط. هذه الرؤية لن تتحقق إلا إذا استعادت الشرعية قرارها وحيّدت التدخلات الخارجية التي تعد العدة لحرب جديدة ستطيل أمد المعاناة.

وعلى المبعوث الأممي والوسطاء الآخرين طرح خارطة الطريق المعدّة على المكونات الفاعلة في اليمن ودعوتها لإبداء ملاحظاتها حولها، قبل أن يتم التوقيع عليها وتبنيها بضمانات دولية وقرار من مجلس الأمن. بتحقيق ذلك، يمكن لليمن أن يتحرر من دوامة الصراع ويبدأ رحلة إعادة البناء والتعافي، ليعود وطنًا موحدًا ذا سيادة ويتسع للجميع.

إن تحقيق السلام المستدام في اليمن يتطلب بناء جيش وطني بعقيدة وطنية جامعة ومشاورات يمنية-يمنية وإرادة وطنية صادقة، وجهودًا شجاعة لمعالجة جذور الأزمة والقناعة الكاملة ببناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات، حيث تكون مصلحة الشعب هي الأولوية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والرهانات الخارجية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي