في الأيام الأخيرة، ترددت أنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في الأراضي المحتلة ولبنان. وقيل إن الاتفاق قد يُبرم خلال ساعات، ما لم تظهر مفاجآت في اللحظات الأخيرة. لم يكن لهذا التطور أن يحدث لولا القوة والصلابة والتكامل اللبناني في مواجهة التحديات والعدوان. غير أن هذه التطورات، رغم أهميتها، تفتح الباب للتساؤل حول التناقضات الأوسع في السياسة الأمريكية في المنطقة، التي يبدو أنها تسعى لتبريد ملفات هنا وهناك بينما تترك جذور الأزمات مشتعلة.
على الصعيد الإقليمي، لا يمكن تجاهل محاولات أمريكية لتبريد ملفات أخرى، ومنها الأزمة اليمنية، في سياق يبدو وكأنه مكافأة ضمنية لاتفاق لبنان-إسرائيل، الذي جاء عبر وساطة أمريكية مباشرة. المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، يواصل جولاته في المنطقة، حيث التقى برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني وقدم له إحاطة شاملة حول المتغيرات الإقليمية والدولية في ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة. كما ناقش الخيارات المتاحة لخفض التصعيد ودفع المليشيات الحوثية للتعاطي الجدي مع الجهود الأممية الرامية لإطلاق عملية سياسية شاملة.
وفي إطار متصل، التقى السفير السعودي لدى اليمن بالمبعوث الأمريكي والسفير الأمريكي، حيث تركزت النقاشات حول التطورات في اليمن والبحر الأحمر، والجهود المشتركة لدعم الحكومة اليمنية والشعب اليمني في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية الراهنة. جرى التأكيد أيضًا على أهمية دعم جهود الأمم المتحدة للحفاظ على التهدئة والعمل للوصول إلى حل سياسي شامل.
من جهة أخرى، تصاعدت حدة التوتر مع تهديد الحوثيين لأي طرف يشارك في مشاورات جنيف، التي تهدف إلى مناقشة شكل الحل في اليمن، باعتبار ذلك تهديدًا مباشرًا لسلطتهم الأمنية والسياسية. هذا التصعيد يعكس استراتيجية واضحة لإفشال أي محاولات للعودة إلى المسار السياسي، ما يضع المزيد من العراقيل أمام الجهود الإقليمية والدولية.
رغم الجهود الأمريكية لتبريد بعض الملفات الإقليمية، إلا أن الوضع في غزة الجذر الأصلي لأزمات المنطقة الحالي يظل عاملًا رئيسيًا في استمرار التسخين الإقليمية. العدوان الإسرائيلي المستمر وتعطيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة يكشفان تناقضًا واضحًا بين الجهود المعلنة للتهدئة والواقع على الأرض، حيث تستمر المعاناة ويتفاقم الغضب الشعبي. حتى لو تم توقيع اتفاقيات تهدئة، فإن تجاهل غزة ومظلوميتها سيحول دون تحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.
يتضح أن المنطقة تعيش في تناقض بين محاولات تهدئة الأزمات الفرعية مع الإبقاء على المشكلة الأصلية مشتعلة. كيف يمكن تحقيق التبريد بينما جذور الأزمات، مثل قضية غزة، تظل ساخنة؟ الأحداث الأخيرة تكشف أن القراءة المستقبلية للأوضاع ستظل ساخنة ومسخنة، والدليل على ذلك أن التفاوض يتم تحت النار المستعرة، كما يتضح من كثافة التبادل الناري بين الكيان الصهيوني وحزب الله قبل سويعات من التوقيع.
الموقف الصحيح والطبيعي يتطلب ضغطًا حقيقيًا وفعّالًا على حكومة العدو الإسرائيلي المتطرفة لإنهاء عدوانها وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية في غزة.
في اليمن، لا بد من ضغط دولي وإقليمي على إيران لدفع الحوثيين للتخلي عن منهجية التهديد والقبول بمسار سياسي شامل.
إن التهدئة الحقيقية تبدأ من معالجة الأسباب الجذرية للصراعات، وليس من خلال صفقات جزئية تُبرم تحت ضغط اللحظة. المنطقة بحاجة إلى رؤية شاملة تعالج جذور الأزمات بدلًا من الاكتفاء بالتعامل مع نتائجها السطحية.
-->