لو جلست احكي لشباب اليوم كيف كان جيلنا، فسوف اقول كان يحلم بالوحدة العربية، وتحرير فلسطين، ونشر الاسلام في أنحاء المعمورة، ولم يفكر اي شخص منا عربي او يمني او عراقي او سوري او ليبي بتقديم لجوء في الغرب او الشرق او البحث عن عمل هناك بشكل عام. وكان طلاب ليبيا والعراق اغنياء من حيث المنح ويعيشون كأمراء في الغرب والشرق، وكان الطلاب العرب هم الاكثر في الابتعاث هنا، وكان نادر جدا ان نجد طلاب من الهند او باكستان او الصين، كون كانوا دول فقيرة اقلها في ميزان الابتعاث. وعلى ذكر الطلاب امس كان معي في قاعة المحاضرة الاولى 55 شخص وفي القاعة الثانية بعدها في برنامج واحد ماجستير من الهند والصين وباكستان تقريبا 60 والشباب العربي من ليبيا والعراق واليمن وغيرها في الحدود يبحث عن منفذ للغرب ليهرب من الصراعات.
وكان في شبابنا كل الانشطة الثقافية والسياسية لنا هنا في الغرب تدور حول الوطن العربي بشكل عام والقضية الفلسطينية والتراويج له ولها. وكان جيلنا في الداخل اليمني ان خرج الى شوارع صنعاء فيجد الاجانب والافواج السياحية في كل مكان ولم نسمع عن اختطاف سائح او استهدافه. وكانت رحلات اليمنية الى فرانكفورت 3 في الأسبوع، والطيران الالماني مرتين من فرانكفورت في الأسبوع والفرنسي والهولندي وغير ذلك. وكانت الفيز لبريطانيا نأخذها بيومين وكذلك المانيا وغيرها. وكان عندنا عمال باعداد لابأس بها في اليمن من الهند والصين وهولندا وكوريا الجنوبيه واثيوبيا وبريطانيا في اليمن. وايضا على ايامنا كان هناك مدرسون من المملكة واغلب الكادر التعليمي من مصر والسودان والعراق وسوريا وباكستان، اي والله كانت الناس تهاجر للعمل في اليمن. وكانت القروض للبناء سهل وايضا للزراعة والكل ينظر للمستقبل انه سوف يكن افضل.
لكن بسبب الارتجال وتمدد الجهل بمرافق الدولة وعدم ادراك مصلحة المجتمع لم نصنع مشروع دولة يستمر ولم نزرع بمفاصل الدولة الا ثقافة هدم ورجال هدم بشكل غير مباشر يتجسد اليوم بمستنقعات عدة، وعدنا بمشاريع اليوم الى مشاريع الماضي وعصور العهد الطباشيري كما يتحدث احد الاخوة، وتم تعميم الجهل بشكل مباشر او غير مباشر بخطاب مناطقي وديني وسلالي، واوجدنا لذلك بيئة باهمال التعليم. ولذا اليوم انظر الى سنوات حياتي واجد اننا داخل بئر برهوت، وهناك من يدافع ويبرر ويتخندق مع مشاريع الماضي ويريد منا ان نتعامل معها او نبدي تفهم لها. تحولنا لأجيال نتنازل على كل احلامنا، ونحلم فقط كيف نأمن لقمة العيش والبنزين، واما الكهرباء والحياة البسيطة فقد صارت من المستحيلات الاربعة، وحتى احلامنا لم نعد ننظر لها لانه لم يعد معنا وقت الا نحلم بلقمة العيش فقط ونصف راتب كل كم شهر، ومن تجاوز عمره 50 سنة صار ينتظر ملك الموت بسبب العناية الصحية فيتساقط الجميع مثل اوراق الخريف امامنا. ايضا عندما اجد الان ابناء اليمن وكفاءاتها يقدمون لجوء في الغرب وهم على مشارف العقد ال 5 او 6 من عمرهم، احزن لذلك فلا يوجد انسان يريد ان يترك وطنه في اخر عمره ويبحث عن مستقبل في عالم مجهول.
ورغم ذلك نستطيع ان نتدارك الوضع ونخفف حدة السقوط اكثر ، ولكل مشكلة هناك حل ان رغبنا بذلك، لكن لازلنا نفتعل الفهم ونصنع الوهم ولا نريد العلاج ان نتجه اليه كقيادات اولا. اليوم ليس هناك وقت امام المتعلم والنخب والكفاءات وكل فئات الشعب الخيرة ان تراقب وتعمل نفسها انها في منطقة معتمة او تنتظر، ماذا سوف يحصل؟ فالمراقبة والتساهل وعدم معالجة المشاكل وقتها هو ما اوصلنا الى هذا الوضع. واذا كان ما نشاهد اليوم هو نتيجة مازرعناه بالامس، فماذا سوف نحصد غدا، ونحن لم نزرع شيء غير الانتظار والمراقبة؟
والسؤال الا يجب ان نصحى، ونصنع مشروع شامل نتخندق لتحقيقه لليمن بدل العك والارتجال الحاصل، وندرك ماذا نريد لمجتمعنا، ونتجه الى بناء مجتمع يتعايش مع بعضه بعض يحلم ويطمح مثل بقية البشر. اليوم شعوب العالم تنافس بالرياضة ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، بالمعرفة ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، والتعليم ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، بالبناء والتخطيط ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، بالاقتصاد ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، وبالفن والفكر ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، وبالتعايش والانفتاح ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، واستقطاب الاستثمار والسياحة ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم. مجتمعات تصنع بابنائها وبناتها واستقرارها وموقعها معجزة تنموية لاجيال قادمة ونحن كمجتمع يمني لسنا بينهم، ونحن نهدم الاحتمالات ان يكن هناك حتى بصيص امل. وكما قلت في البداية اخفقنا في الماضي لبناء دولة، ولايجب ان نستمر باستخدام نفس الفكر والمنهج، والأدوات، والاشخاص وننتظر شيء اخر او معجزة لان الفشل ارقام ومؤاشرات امامنا.
وهنا مثال للفشل، فقد كان الناتج القومي المحلي اليمني في عام 2002 اعلى من الناتج المحلي الاثيوبي بفارق 2 مليار و200 مليون دولار حسب ارقام البنك الدولي، بمعنى كان حالنا أفضل. وفي عام 2011 كنا في نفس المستوى من حيث الأرقام، وفي عام 2023 كان الناتج القومي الاثيوبي أكثر من الناتج القومي اليمني بفارق 142 مليار دولار، أي أقل من 12 عام صنعت معجزة عند الغير، أي أن الناتج القومي الاثيوبي يعادل اليوم 8 مرات الناتج المحلي اليمني، بمعنى كانت هناك فرص كبيرة نصلح بها حال مجتمعنا، وكنا اليوم نتحدث اقلها عن معجزة تنموية بدل العبث والانهيار الحاصل. بلد مثل اليمن بموقعها، اقلها كانت سوف تجذب المنطقة القريبة إليها، والمهاجر اليمني والاستثمار، وكنا تحدثنا عن دخل قومي قريب من نمو اثيوبيا اليوم. اثيوبيا قوة اقتصادية صاعدة لأنهم امتلكوا ارادة وادارة وقيادة، ومتوقع أن يكن النمو الاقتصادي الاثيوبي أكثر من 8 في المائة هذا العام، في حين اليمن سوف يكن هناك انكماش بين 1 إلى 2 في المائة، بمعنى قده قدرنا وكأنه لا نريد نتعلم، ولذا حال المجتمع لن يصلح بسهولة، لأنه لاتوجد رؤية ولا مشروع.
لذا كحل نحتاج ركائز ثوار وكفاءات بقيم وطنية حقيقية لا يتاجرون بالقضايا الوطنية ولا في بلدهم يمتلكون الرؤية والمشروع والارادة والقدرة غير ذلك سوف نظل نتذكر قوله تعالى "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" وقياداتنا الى اليوم مفسدون وكاذبون ولايؤمن بهم احد لا في الداخل ولا الخارج، ولله الحمد، فكيف سوف يصلح حال بلدنا بهم.
-->