تعيش الأمة العربية والإسلامية فترة تخلف وانحطاط، تحيط بها المخاطر من كل جانب وتتجاذبها صراعات القوى الإقليمية والدولية، دمر المشروع الإيراني أربع دول عربية، ومشروع رأسمالية التوحش أوجد اسرائيل في فلسطين لتقسيم الوطن العربي وتمزيقه، بهدف الهيمنة على ثرواته، وفي هذا الواقع المأساوي المحبط، أجد أمل عربي قادم يُعَّولُ عليه، الأول من دول القرار والفاعلية في المنطقة، المملكة العربية السعودية ومصر وقيادتهما الحكيمة بتبنيهما خيار المصلحة العربية العليا، والثاني من حركة الوعي الثقافي والعقلي، المنتشرة في الأمة وتسعى لاستعادة دور وحي دين الله "القرآن"، الذي تم هجره طويلاً، واستبدل بكتب المرويات، المحكومة بزمانها ومكانها، وسقوفها المعرفية وأدواتها، وما صلح لهم لا يصلح لنا، وقد حسم الله علاقتنا بهم بقوله سبحانه: ﴿تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ١٣٤]
ولنتوقف كثيراً عند قوله سبحانه لا نُسأل عما كانوا يعملون، فلماذا نعمل عليه؟ ومعنا كتاب دين الله الذي يأمرنا بما نفعل وفق زماننا ومشاكلنا ومعارفنا.
لقد خلق الله الوجود كله ومنه الأرض، وخلق فيها الجن والإنس ليعبدوه بحريتهم، ويعصوه بحريتهم، وجعل الإنسان خليفته في الأرض، وسخر له قوانينها وأقواتها سواء للسائلين، وأَهَّلَ الله الإنسان ليمارس الاستخلاف واستعمار الأرض للأجل المعلوم.
وواصل الله رعايته للناس وهديهم من خلال رسالات دينه الواحد "الإسلام" بمختلف ملله، والذي حواه وحي كتبه التي حملها رسله من الملائكة والناس، ليُبلّغوها لعباده، وختم الله دينه وأكمله وأتمه برسالته الخاتم للعالمين، وبكتاب وحيه الخاتم "القرآن" الذي بَلّغَهُ رسوله الخاتم محمد عليه الصلاة والتسليم يقول سبحانه:
﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا﴾ [الفتح ٢٨]
فدين الله دوماً تحويه كتب وحيه، وكتاب وحيه الخاتم "القرآن" حوى دينه الكامل التام، وكونه الوحي الخاتم لدين الله الذي يحمل تواصل الله الأخير بالإنسان حتى قيام الساعة، تولى الله سبحانه جمعه وقرآنه وحفظه، وتفصيله وبيانه وتبيانه، ولم يشرك سبحانه معه أحداً في ذلك، وجعل الله كتاب دينه هدى للناس، وبيّنات من الهدى والفرقان، وإخراج لهم من الظلمات للنور، فيه منهج الخلاص للناس في الدارين، وفيه قصة الوجود وتكوينه وخلقه، منذ يوم الخلق ليوم الحق، فالدين دين الله لا دين الناس.
ومن هذه المنطلقات اجتهد فيما أكتبه في مقالاتي وأقوله في مقابلاتي، لخلق ثقافة استعادة دين الله الحق وكتاب وحيه "القرآن"، وهي ثقافة تقوم على التمييز الواضح بين دين الله الحق المسطور في كتاب وحيه "القرآن"، وبين دين الناس في كتبهم ومروياتهم، وهو قراءة تقوم على كتاب الله وحده، الذي أنزله للناس وأنا من الناس، ولا أحد من الناس يستطيع إحصاء ما في "القرآن"، لاحتوائه على قوانين الوجود الكوني والإنساني، وتاريخ الخلق من أول الخلق حتى قيام الساعة، ولذا أمرنا الله بقراءة ما تيسر منه وفق معارفنا وتطورنا يقول سبحانه:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ﴾ [المزمل ٢٠]
وأبدأ هنا باحتفالات عاشوراء التي ينسبها البعض لدين الله وهي من دين الناس وصناعتهم.
تحتفل المليشيا الحوثية الارهابية بيوم عاشوراء ومقتل الحسين غفر الله له في كربلاء، وتناولت خطبهم وقنواتهم وفعالياتهم التأكيد على ارتباط مقتل الحسين وكربلاء بدين الله، بينما كربلاء معركة صراع على السلطة، ولا علاقة لها بدين الله، وليست معركة لإعلاء دين الله، بل هي معركة على السلطة بين بيتين من قريش، هما البيت الأموي، والبيت الهاشمي الطالبي، ويرى كل بيت أنه الأحق بالسلطة والحكم، ويعتقد الهاشميون الطالبيون أن الأمويين سلبوهم هذا الحق، بينما السلطة شورى بين الناس في دين الله ، يقول سبحانه:
﴿وَٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَیۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ﴾ [الشورى ٣٨].
وليس في دين الله أن الأمر "الحكم" لقريش، أو الأمويين، أو بني هاشم، أو البطنين، لذا فما تم هو في حقيقته صراع سلطة، كُتِبَتْ فيه وأُلفت المرويات الكاذبة، التي ليست من دين الله، ولا من رسول الله، بل هي من دين الناس والسلطان، وكلها تسعى لشرعنة هذا الصراع واعتباره من دين الله كذباً.
فمن أراد دين الله عليه قراءة كتاب وحي الله "القرآن" سيجد به دين الله الحق بيناً ومُفصلاً، وبه تِبيان وتفصيل كل شيئ في الوجود، وعندما بحثت عن "عاشوراء" في كتاب وحي دين الله، لم أجد لها أثراً ولا ذكراً، في كل سوره وآياته وكلامه وكلماته.
لكنها موجودة في دين الناس وكتبهم ومروياتهم، وجعلوا منها ديناً لهم، نسبوه لدين الله وهو ليس من دين الله، فألفوا المرويات المنسوبة لرسول الله كذباً ليشرعنوا بها مروياتهم بأنها من دين الله، فرسول الله عليه الصلاة والتسليم، محال عليه، بل وممنوع عليه التقول على الله، بآيات واضحة بقوله سبحانه:
﴿وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ * لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ﴾ [الحاقة ٤٤-٤٧].
وتحت إسم عاشوراء وتقديسه، تم صناعة دين للناس، فيه صياماً وتمجيداً للحسين، وفيه أفعال وأقوال وتقديس ليس لها دليلاً من كتاب الله، وتم نسبتها كذباً لرسول الله، لتبرير هذه الأفعال ونسبتها لدين الله.
فهذا دين الله في كتاب وحيه، لا نجد فيه ذكراً ليوم عاشوراء، وفي كتاب دين الله نجد منعاً صارماً وواضحاً لرسول الله بمنع التقول على الله، وفي كتاب دين الله نجد أن الله حرّم التقول عليه بقوله سبحانه:
﴿قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّیَ ٱلۡفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡیَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف ٣٣].
وقد منع الله الافتراء كذباً عليه في العديد من الآيات منها:
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام ٢١]
﴿فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يونس ١٧]
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَیَقُولُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [هود ١٨]
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [العنكبوت ٦٨]
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [العنكبوت ٦٨]
﴿مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمࣲ وَلَا لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةࣰ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡۚ إِن یَقُولُونَ إِلَّا كَذِبࣰا﴾ [الكهف ٥]
﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـࣰٔا﴾ [النجم ٢٨]
﴿وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلࣱ وَهَـٰذَا حَرَامࣱ لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ﴾ [النحل ١١٦].
هذا دين الله الحق الذي منع الافتراء كذباً عليه، وكل ما ذكر عن كربلاء والحسين افتراء على الله ودينه، فدين الله لانجد فيه وجود لعاشوراء، ولا ذكر فيه للحسين، ولا لأي من كل الأفعال والأقوال والاحتفالات، التي تمارس في يوم عاشوراء، وفي دين الله قول فصل بمنع رسول الله من التقول على الله، ومنعاً من الافتراء كذباً على الله بما ليس في وحي دينه.
لذلك فعاشوراء والحسين ليسا من دين الله، بل من دين الناس، الكاذبين على الله ورسوله، وهذا وصف الله للناس الذين بفترون الكذب على الله، ويقولون إنه من عند الله وهو من عندهم، ﴿وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِیقࣰا یَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَـٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَیَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾ [آل عمران ٧٨] وهذه الافتراءات يعتقد بها ويؤمن، من لا يؤمن بآيات الله المخالفة لكل هذه الافتراءات الكاذبة يقول سبحانه:
﴿إِنَّمَا یَفۡتَرِی ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰذِبُونَ﴾ [النحل ١٠٥]
ولقد أخبرنا الله بأن الله لا يقبل ديناً مخالفاً لدينه بقوله سبحانه:
﴿أَفَغَیۡرَ دِینِ ٱللَّهِ یَبۡغُونَ وَلَهُۥۤ أَسۡلَمَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ﴾ [آل عمران ٨٣]
﴿وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾ [آل عمران ٨٥]
على الأمة عدم قبول دين غير دين الله، فهو وحده صراطها للخروج من الظلمات للنور، وصناعة النهضة والتقدم، وطريق خلاصها الوحيد من الهيمنة والاستعمار.
جمعتكم إيمان بدين الله لا دين الناس.
-->